تجليات الفن الحركى فى عروض مسرح الطفل
د . ندى طارق تكتب:
يمتلك طفل اليوم عوالم خاصة تعبر عنه وتحفظ له حدوده الخاصة، ومن هذه العوالم الأدب كوسيلة تعبيرية تربوية تثقيفية، تعبر عن الطفل وتعبر منه إليه، وعليه فقد برز أدب الطفل كوسيلة حضارية إنسانية لتحقيق بناء طفل اليوم ورجل المستقبل، ويعتبر المسرح أحد فنون الأدب الغنية بوسائل التأثير وجذب الإنتباه، خاصة أن المسرح أحد أهم وسائل الإتصال الجماهيرية وأكثرها حميمية، نظراً للتفاعل المباشر بين المرسل والمتلقى للرسالة، كما إن العلاقة بين أدب النص المسرحى الموجه للطفل، والتكنولوجيا ممثلة فى التقنيات الحدثية التى من خلالها يتجلى هذا النوع من الأدب، قد سمحت بظهور أشكال إبداعية جديدة وأطراف جديدة فى العملية الإبداعية غيرت من شكلها التقليدى، فالنص المسرحى الموجه للطفل، لم يكتب للقراءة فى المقام الأول، ولكن لتجسيده على خشبات المسارح، إلا أن العروض المسرحية بالشكل التقليدى وفى ظل الثورة المعلوماتية والتكنولوجية لن يكون لها نصيب مع طفل اليوم، أمام الزحف المعلوماتى والتجليات الجديدة عبر الشاشات، التى استطاعت أن تأخذ الطفل من بين أيدينا لعوالم أخرى، حيث يقابل الطفل من خلال الثورة التكنولوجية عالماً متاهياً لا بدء له ولا نهاية، تستقطبه وتستجيب لحاجاته المختلفة، وتسحره بالمعطيات الفياضة التى تقدمها له فى وقت وجيز وبتقنية عالية، وعليه أصبحت الحاجة ماسة لإستغلال الثورة التكنولوجية بتقنياتها، والطاقة الهائلة الكامنة بها والتى فرضتها النهضة العلمية، فى تقديم رؤى جديدة تعتمد على تلك التقنيات، علماً بأنه المقصود هنا ليس موت الكاتب المسرحى المبدع لنص مسرح الطفل، ولكن أن توظف التكنولوجيا والتقنية الرقمية الجديدة فى خدمة تقديم تلك النصوص والأعمال، كما أن المقصود بتوظيف التكنولوجيا والتقنية الرقمية الجديدة ليس هو تلفزة عروض مسرح الطفل، وتقديمها له عبر وسائط متعددة كالحاسوب، وإنما هو توظيف التكنولوجيا والتقنية الرقمية الجديدة فى تقديم نصوص مسرح الطفل، من خلال الفن الحركى (kainetic art)، وهو الفن الذى يحوى فى جعبته العديد من التقنيات الرقمية والتكنولوجية التى تساهم فى تقديم نصوص مسرح الطفل بشكل مغاير، كما حدث فى عروض (ديزنى لاند)، وما قدمه على خشبات المسارح فى مصر فى الآونة الأخيرة .
تعتبر لفظة (kinetic Art ) مشتقة من الكلمة اليونانية، وتعني الحركة وهي علم دراسة الحركة بغض النظر عن المسبب لها، وهو يعني بالفن الذي يشتمل على الحركة الفعلية أو الظاهرة، وقد إرتبط هذا الفن بالعديد من الظواهر منها الحركة السينمائية، وأشكال الرسوم المتحركة، وتطبق الحركة الفعليه في الفن من خلال محركات كهربائية، أو بواسطة تيارات الهواء، ويهدف هذا الفن إلى صياغة فنية ذات أبعاد ثلاثية، من خامات مختلفة تتحرك فى الفضاء وهى معلقة، أو توضع على قواعد خاصة بحيث تظهر معالمها وأبعادها فى كل الإتجاهات، وقد نادى المنتمون للحركة بأنهم “لا يريدون فناً جامداً ثابتاً فاقداً للحركة كما كان فى الماضى، ولكنهم يريدون فناً متحركاً ليعطى إيحاء وفراغات وسطوح وإيقاعات حركية دينماكية، وتلعب المعطيات الدرامية فى نصوص مسرح الطفل وعناصر العرض العديدة المقدمة للطفل ومنها التكنولوجية الرقمية، دوراً هاماً فى عرض قيم جمالية محفزة لخيال وإدراك المشاهد الصغير بمختلف أعماره، منها الإبهار وعناصر الصورة المرئية المبتكرة، والمحتوية على العناصر الحركية من خلال الفن الحركى (kainetic Art)، وعليه يصبح أدب النص المسرح الموجه للطفل، توليفة من المؤثرات اللسانية وغير اللسانية، تتظافر فيها جهود المبدعين وأطراف المنظومة الإبداعية، بوصف المسرح أبو الفنون .
وتجتمع خصائص أدب الطفل فى ظل التحولات التكنولوجية الرقمية جميعها، فى ما يقدمه الفن الحركى لتقديم عروض مسرحية لطفل اليوم، فعلى المستوى اللغوى تمثل الكلمة المكون الأساسى فى عروض مسرح الطفل، ومع ثورة التكنولوجية الرقمية الموظفة داخل قاعات المسارح إعتماداً على الفن الحركى وتقنياته، يتم التوافق بين الخطاب اللغوى وبين لغة الصورة، بوصفها نصاً موازياً ومجسداً للكلمة، فعلى المستوى البصرى أى الصورة، فالطفل ذات متلقيه تتصل مع ما تراه معروضاً أمامها من خلال حاسة البصر، التى تعد الأقوى من بين الحواس فى إلتقاط الشفرات وإكتساب المعلومات، إذ يتفاعل الطفل مع النص المعروض حيث يحاكى عقله ويلبى حاجاته المتنوعة، فجودة النص فقط لا تكفى وحدها لإكتمال التلقى، إذ أن البصر حاسة تثويرية تستفز باقى الحواس وترشدها فى عملية التلقى، وعليه فالطفل يستجيب للصورة ويتفاعل معها بشكل كبير، إذ أن الصورة تختصر المعنى وتمكن الطفل من إستيعاب المتخيلات، خاصة وإذا كانت الصورة متحركة، وعليه تكمن شاعرية الصورة الرقمية فى أنها تشرك الطفل فى معايشة الأحداث والشخصيات، ومن ثم بناء تصور إستباقى إستشرافى لما ستؤول عنه الأحداث، فالحركة تصاحب الصورة وتجعل الطفل يعايش الأحداث، إذ أنه ليس مشاهد فقط بل متفرج متدخل فى شبكة الأحداث، فالحركة فى الصورة ومؤثراتها من أهم خصائص الطفل، فهو يتحرك فى كل حالاته وبصورة غير منتهية، أيضا اللون والإضاءة فلهما تأثيرات وطابع تعبيرى على أنواع الحركة، فاللون والضوء أحد أهم العناصر تأثيراً على جاذبية الصورة، فالألوان ذات قدرة إيحائية كبيرة، كما أن الصوت بوصفه المستوى السمعى والذى لا يقل أهمية عن المستوى البصرى، بل يتم التوليف بين حاستى البصر والسمع فهو المؤثر السمعى المشكل للثقافة والمعرفة، من خلال ما يعرف بالخيال السمعى، فيقدم ثقافة سمعية تتفاوت المجتمعات فى حيازتها.
وتتحدد الرؤية الإبداعية فى تقديم عروض مسرح الطفل حسب النصوص المسرحية، وحسب نوع المسرح الذى سوف يقدم عليه العمل، إذ تلعب المعطيات الدرامية وعناصر العرض العديدة، ومنها الرقمى التكنولوجى، دوراً هاماً فى عرض قيم جمالية محفزه، لخيال وإدراك المشاهد الصغير بمختلف أعماره، منها الإبهار وعناصر الصورة المرئية المبتكرة، والمحتوية على العناصر الحركية (kainetic art)، وما ينتج عنها من إضاءة وخدع مسرحية، لتقديم رؤية إبداعية حديثة تواكب العروض العالمية، وذلك على مستويين، أولهما مستوى التشكيل الثابت وتحريكه، وثانيهما هو إستدعاء شخصيات أو عناصر تاريخية أو خيالية أو خارقة، لتدخل إلى الصورة المرئية وتكون جزءاً من الرؤية الإبداعية، ومن أمثلة ذلك توظيف الهيلوجرام فى إستدعاء شخصيات وتجسيدها أمام الجمهور، وكذلك فى إدخال شخصيات أو عناصر ديكور عبر التحريك بأساليب تستخدم التطور التكنولوجى الرقمى، لتحقيق تجسيد العناصر الخارقة وتحريكها على المسرح، أيضا إستخدام المؤثرات الصوتية والأصوات المجسمة لتتوازى مع الصورة المقدمة وتتطابق فى معقوليتها، إذ أن معظم نصوص مسرح الطفل تعتمد على إستلهام الشخصيات التراثية الشعبية، أو الشخصيات الخارقة وكذلك الكائنات الخارقة، علاوة على الأجواء الزمانية أو المكانية الأسطورية أو التراثية كحيلة للدخول فى أحداث النص، إذ أن منطق مسرح الطفل منطق الخيال، أو لنقل اللامنطق هو قانون القوانين، والخروج عن المألوف هو سنة السنن هناك، حيث تتكلم الحيوانات بلا حرج وحيث الغابات تغص بالأصدقاء والقصص، وحيث الجبال تنحني والبحار تستشيط غضباً أو تتنحى حباً، وحيث زهرة الأرجوان تلعب دور البطولة وتنسج من حولها الحكايات، وجميع ما سبق ذكره يشكل نسبة كبيرة مما يقدم للطفل على المستويين العالمى والمصرى .
تأسيساً على ما سبق فإن تجسيد هذه الشخصيات والأماكن ودخولها غير الواقعى، مثل ظهور عفريت الفانوس بشكل غير واقعى وخروجه من المصباح، أو تحكم ساحر فى بعض الأشخاص أو الجمادات، كل ذلك يستدعى توظيف التكنولوجيا الرقمية الجديدة، لتحقيق منطقية العمل وتحقيق الإبهار وهو ما يحققه الفن الحركى بما يملكه من تقنيات تكنولوجية قادر على تقديم عناصر الجذب والإبهار، لمراعاة مدركات الطفل ومشاعره كمتلقى، وتقديم كل ما يشبع رغبة أطفالنا وإبتكاراتهم وإدراكهم، وهذا بالرجوع الى دلالات الرؤية الإبداعية الإبتكارية، فى فضاءات إفتراضية وغير إفتراضية مختلفة، والتى بدورها تؤثر على طفل اليوم الذى يعيش فى عالم الكمبيوتر، والديجيتال، والأجهزة المتعددة، والهيدروليكية، والميكانيزمات المختلفة، وفى ظل إنفتاح الطفل وتفاعله فى الوسائل التكنولوجية المتعددة، وتعرضه لكل هذا الكم الهائل من الوسائط التكنولوجية .
وعليه تعتبر تقنيات الفن الحركى وتوظيفها فى تقديم نصوص مسرح الطفل، هى محاولة لإعاده الطفل إلى الطبيعة والإقتراب منها، وبعبارات جمالية غير منظورة من قبل، تساعد على إثراء العروض بقيم إبداعية داله ومحفزه لخيال المتلقى، بما يناسب ويواكب معطيات سيكولوجية الطفل، الذى يتعامل مع أحدث وسائل التواصل الإجتماعى العالمى، من صورة وصوت وخدع ومهمات وتقنيات إفتراضية وعوالم جديدة مبتكرة، تُشكل وجدان الطفل، ومدركاته، وحسه، كما يحاول الفن الحركى بتقنياته فى تقديم نصوص مسرح الطفل، تجسيد العالم الطبيعى كى يتفاعل الطفل مع هذا العالم داخل العمل المسرحى .
Average Rating