الإجرام الصهيوني في سورية يؤكد جوهر الصراع !!
لقد شهدت سورية العربية خلال الأسبوع الماضي أكبر كارثة في تاريخها، حيث استغل العدو الصهيوني الأحداث الدراماتيكية التي شهدتها الساحة السياسية السورية، وحالة الفراغ السياسي، والفوضى التي عمت البلاد، ليقوم جيش الاحتلال الصهيوني باجتياح الجنوب السوري والتوغل داخل المنطقة العازلة واحتلال القنيطرة وجبل الشيخ، بذريعة إنشاء منطقة عازلة بين الأراضي السورية وهضبة الجولان السوري المحتلة من العدو الصهيوني بالأصل، وهذه العملية هي الأولى منذ ٥٠ عاماً التي تعبر فيها قوات العدو السياج الحدودي بعد اتفاقيات وقف إطلاق النار في ٣١ مايو ١٩٧٤ في أعقاب حرب أكتوبر، وبذلك تكون قد انهارت اتفاقية فك الاشتباك بين سورية والعدو الصهيوني، ولم يكتفي العدو بذلك بل توغل حتى أصبح على مقربة من العاصمة دمشق، في الوقت الذي تحتفل فيه الجماهير الشعبية بسقوط نظام الحكم، وقام العدو وفي أقل من ٧٢ ساعة باستهداف كل المواقع والمنشآت العسكرية للجيش العربي السوري وتدميرها بشكل كامل، بما في ذلك تدمير أكثر من ٥٠٠ طائرة مقاتلة، وأكثر من ٢٧٠٠ دبابة، وكل منظومة الدفاع الجوي الصاروخية إس ٣٠٠، وكل الأسطول البحري السوري، وكل منظومة الرادارات السورية، وكل مراكز البحوث العلمية، وقام خلال يوم واحد فقط بأكثر من ٤٠٠ غارة جوية مسح فيها كل معالم القوة في سورية واخرجها من كل المعادلات المستقبلية على الساحة الدولية.
ولم يتوقف الإجرام الصهيوني عند هذا الحد، بل أنه وفي غمرة النشوة بالانتصار المزيف للشعب السوري، وفي ظل عملية التعتيم الإعلامي العالمي، حيث قامت الآلة الإعلامية الصهيونية الجهنمية الجبارة بإشغال العقل الجمعي العربي والعالمي بمشهد سقوط النظام للتعمية عن الجريمة التي يرتكبها العدو الصهيوني في ظل صمت مريب من المنظمات الدولية التي ضرب العدو الصهيوني بقراراتها عرض الحائط، وأثناء عملية الاجتياح والتدمير قام العدو باستهداف واغتيال العقول العلمية المتبقية في سورية، ولم ينسى العدو قصف وإحراق مبنى الجوازات والهجرة والجنسية في دمشق بالكامل، من أجل خلق فوضى مستقبلية من خلال تدمير هويات السوريين الرسمية، مما يسمح للعدو اختراقها وزرع ألوف الجواسيس بهويات وجوازات مزورة في ظل غياب السجلات الرسمية وتغيير الديموغرافيا، وقد يصل بعض هؤلاء المزيفين والجواسيس لمراكز قيادية مستقبلاً، وبذلك يكون العدو الصهيوني قد أنهى في هذه الجولة على أحد أهم خصومه التاريخيين، والذي يقف عقبة في سبيل حلم دولة إسرائيل الكبرى التي يزعمون أنها تمتد من النيل إلى الفرات، وأحاول خلال السطور التالية إعادة التذكير بحقيقة وجوهر الصراع بيننا وبين العدو الصهيوني، حتى يفيق من الغيبوبة العقل الجمعي العربي، الذي وقف متفرجاً أثناء سقوط سورية أحد أهم قلاع الصمود في وجه العدو الصهيوني.
وفي محاولة التأصيل مجدداً لحقيقة الصراع العربي – الصهيوني، من أجل تشكيل وعي حقيقي داخل بنية العقل الجمعي العربي في تلك اللحظة الفارقة من تاريخنا، حتى يمكننا استشراف مستقبل هذا الصراع، ففي الوقت الذي نؤكد فيه على أن هذا الصراع هو صراع وجود، لازال هناك من يسعى لتكريس فرضية وهمية تقول أن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع حدود، بمعنى أنه يمكننا التعايش مع هذا العدو بعد توقيع اتفاقيات سلام مزعومة، على أن يسمح هذا العدو لهم بتأسيس دولة فلسطينية على جزء من الأرض العربية الفلسطينية المحتلة، وهو ما تبلور بفكرة حل الدولتين على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وحاول أنصار التطبيع تزييف وعي العقل الجمعي العربي على مدار النصف قرن الماضي مما خلق بعض الأتباع الذين يعتقدون بإمكانية السلام والتعايش مع العدو الصهيوني ويحاولون إقناع الأجيال الجديدة بأفكارهم الانهزامية التي لا أساس لها على أرض الواقع، في الوقت الذي يروجون فيه لنظرية الواقعية السياسية التي تؤكد من وجهة نظرهم أن العدو الصهيوني يمتلك قدرات عسكرية متطورة وهائلة، ويلقى دعماً غربياً ودولياً منقطع النظير، لذلك لا يمكننا مواجهته وعلينا أن نستسلم للأمر الواقع وننفذ رغبات هذا العدو الصهيوني المغتصب والمحتل لأرضنا العربية.
وفي محاولة تفنيد ادعاءات أنصار التطبيع من الانهزاميين فعلينا أن نذكر العقل الجمعي العربي الذي يتعرض لعملية تزييف كبرى بحقيقة وجوهر الصراع، وهنا لابد من العودة للبداية ففي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين كان اليهود الصهاينة يعيشون في الشتات حول العالم، ولم يكن لهم وطن قومي يجمعهم، وعندما فكر قادتهم الأوائل في البحث عن وطن لهم ليجمع شتاتهم من حول العالم، لم يجدوا أمامهم غير بريطانيا الاستعمارية التي كانت تفرض سيطرتها وهيمنتها بالقوة على أجزاء كبيرة من وطننا العربي، واستقر رأي المتآمرين على اغتصاب الأرض العربية الفلسطينية، وتم الإعلان عن المؤامرة عبر ما عرف بوعد بلفور وهو الاسم الشائع الذي عرفت به الرسالة التي أرسلها آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطاني آنذاك بتاريخ ٢ نوفمبر ١٩١٧ إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد يشير فيها إلى تأييد الحكومة البريطانية إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وبالطبع منح هذا الوعد من لا يملك لمن لا يستحق، فالحكومة البريطانية لا تملك الأرض العربية الفلسطينية، وإن سيطرت عليها بقوة السلاح واحتلتها، واليهود الصهاينة الذين جاءوا من كل أصقاع الأرض لا يستحقون أرض فلسطين، وقد لقى الوعد المزعوم رفضاً فلسطينياً قوياً، فاندلعت مجموعة من الثورات، جسدت كفاح الشعب العربي الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني، لكن القوى الاستعمارية وعلى رأسها بريطانيا وأمريكا استمرتا في دعم الوجود اليهودي الصهيوني داخل الأرض الفلسطينية وفي ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ صدر قرار ظالم من هيئة الأمم رقم ١٨١ القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية وأخرى يهودية، مما أدى إلى إعلان قيام الدولة اليهودية المزعومة دولة مستقلة على أرض فلسطين المغتصبة في ١٥ مايو ١٩٤٨، ومنذ ذلك التاريخ والشعب العربي الفلسطيني يقاوم ويحارب من أجل استرداد أرضه.
ولتأكيد هشاشة وضعف ادعاءات أنصار التطبيع والسلام المزعوم، يجب التعرف على مخططات العدو الصهيوني الاستراتيجية التي لم ولن يحيد عنها منذ ولادة فكرته الشيطانية، إن العدو الصهيوني عندما وقع اختيار قادته الأوائل على أرض فلسطين لتكون وطنهم المزعوم، كانوا يخططون لأبعد من الحدود التي رسمتها هيئة الأمم بقرارها الظالم رقم ١٨١ في ٢٩ نوفمبر ١٩٤٧ والقاضي بتقسيم فلسطين الانتدابية إلى دولتين واحدة يهودية وأخرى عربية، وذلك بناءً على توصية لجنة بيل في عام ١٩٣٧ وفي أعقاب التوصية كتب ديفيد بن جوريون رسالة لأبنه يقول أن التقسيم سيكون مقبولاً ولكن كخطوة أولى “هذا بسبب أن هذه الحيازة المتزايدة ليست ذات أهمية في حد ذاتها فحسب، بل لأنه من خلالها نزيد من قوتنا، وكل زيادة في القوة تساعد في حيازة الأرض ككل، إن إقامة الدولة حتى لو كانت فقط على جزء من الأرض، هي التعزيز الأقصى لقوتنا في الوقت الحالي، ودفعة قوية لمساعينا التاريخية لتحرير البلد بأكمله”، وهنا يجب أن نلاحظ أن بن جوريون مؤسس الكيان الصهيوني يتحدث عن كيان كبير يتجاوز ما حصلوا عليه في القرار ١٨١ الذي أعلنوا من خلاله قيام دولتهم المزعومة في ١٥ مايو ١٩٤٨.
وبناءً على ذلك تجسدت حدود الوطن المزعوم الذي سعى قادة العدو الصهيوني لاغتصابه، من خلال العبارة التوراتية المزعومة المنقوشة فوق باب الكنيست الإسرائيلي والتي تقول “لما تجلى الرب على إبراهام منحه الأرض المقدسة من النيل إلى الفرات”، ويشار إلى إسرائيل الكبرى المزعومة كما يؤمن أنصار العقيدة الصهيونية بأنها أرض الميعاد التي وعد بها الرب في سفر التكوين، وهذا ما أكده تيودور هيرتزل مؤسس الصهيونية العالمية عام ١٩٠٤ حين أعلن صراحة أن حدود دولة إسرائيل تمتد من” نهر مصر إلى الفرات”، وجاء بن جوريون لينفذ المخطط الصهيوني كما أسلفنا حيث أكد على أنهم سوف يسعون لتحرير وطنهم المزعوم بأكمله، وهو بذلك يعتبر سكان هذا الوطن الكبير محتلين ويسعى جيش الكيان الصهيوني لمحاربة الاحتلال حتى التحرير، لذلك ما قامت به عصابات العدو الصهيوني في غزة من حرب إبادة للشعب العربي الفلسطيني منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وما تبعها من توغل بري في جنوب لبنان في ١ أكتوبر ٢٠٢٤، وأخيراً اجتياح الجنوب السوري في ٨ ديسمبر ٢٠٢٤ واحتلاله واستهداف كل المواقع العسكرية وتدمير كل أسلحة الجيش العربي السوري هي جولة من جولات التحرير المزعومة والمدعومة عقائدياً.
ووفقاً لهذه العقيدة المزعومة فالعدو الصهيوني يعتبر صراعنا معه صراع وجود وليس حدود، لذلك سوف يفعل ما يفعله في الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية بكل المناطق والدول الواقعة بين النيل والفرات وذلك لإيمانه بأن هذه هي إسرائيل الكبرى الأرض التي وعد بها الرب في كتابه المقدس، لذلك فقادة العدو الصهيوني يوهمون المستوطنين الصهاينة الذين جلبوهم من كل أصقاع الأرض أنهم يخوضون حرب مقدسة لتحرير الأرض المحتلة من قبل العرب وهي أرض الميعاد، وقد أكد بن جوريون أثناء الاجتماع التنفيذي للوكالة اليهودية في يونيو ١٩٣٨ أنهم سيحاولون بكل الطرق تحرير إسرائيل الكبرى حيث قال “سنحطم هذه الحدود التي تفرض علينا، وليس بالضرورة عن طريق الحرب، أعتقد أنه يمكن التوصل إلى اتفاق بيننا وبين الدول العربية في مستقبل غير بعيد”، ومن هنا يتضح أن تأسيس تيار التطبيع ومهادنة العدو داخل المجتمع العربي قد جاء كجزء من المخطط الصهيوني الشيطاني، فاتفاقيات السلام العربية المزعومة بداية من كامب ديفيد، مروراً بأوسلو، ثم وادي عربة، وانتهاءً بالهرولة الخليجية، والمغربية و السودانية، قد خطط لها قادة العدو الصهيوني منذ زمن بعيد ومن لم يسلم طواعية فحرب الإبادة هي البديل، لذلك يجب أن يعي العقل الجمعي العربي أن صراعنا مع العدو الصهيوني هو صراع وجود وليس حدود، فكل من يعتقد أن العدو الصهيوني يمكننا التعايش السلمي معه في مكان وجوار واحد فهو واهم، هذه الأرض الواقعة بين النيل والفرات وفقاً لعقيدتهم المزعومة لا يمكن إلا أن تكون لهم أو لنا لذلك فوجودنا أمام وجودهم، وبالتالي فمستقبل الصراع العربي – الصهيوني لن يحل إلا بالمقاومة، لأنها الشرط الحاكم في زوال الكيان الصهيوني كما يؤمن كل عربي حر، فما حدث من إجرام في سورية خلال الأيام الماضية يؤكد جوهر الصراع الذي أدركه الزعيم جمال عبد الناصر حين قال في مؤتمر الخرطوم: “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف”، وحين رفع شعار: “ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة”، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد
Average Rating