مفهوم الصداقة وواقعنا المعاصر!!
د.عادل القليعي يكتب*
بداية لابد أن نطرح عدة تساؤلات وسأحاول الإجابة عليها من اجتهاداتي الخاصة ، ولن أعتمد فى الإجابة على ما ذكره الفلاسفة كأبي حيان التوحيدي في حديثه عن الصداقة والصديق في كتابه الشهير ، ولا حتى على التعريفات اللغوية والاصطلاحية لمفهومي الصداقة والصديق .
ما مفهوم الصداقة ، وما معنى كلمة صديق ، وهل حقا توجد صداقة حقيقية وصديق حقيقي ؟!
نعم كل هذه تساؤلات مشروعة تدور في خلد الجميع ، خصوصا في عصرنا هذا عصر المتناقضات والنزعات المادية ، والمصالح التي يتصالح من أجلها البعض ويتنازل حتى عن كرامته من أجل الحصول على منصب أو جاه أو بعض المال .
لكن السؤال هل العيب في الزمكان والعصر الذي نحياه، إذا قلنا ذلك فقد نكون مخطئين، وقد نكون مصيبين.
فالزمان هو الزمان والمكان هو المكان والإنسان هو الإنسان، أما الذى اختلف هو اختلال واعتلال في ميزان الإنسانية، فكما ذكرت غلبت المصالح والنواحي المادية فغلبت الأثرة الإيثار، نفسي نفسي، لماذا؟!.
قد يكون لظروف المعيشة وضيق الأرزاق، والرد موجود وحاضر، هل حالنا أفضل أم حال صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يربطون الأحجار على بطونهم من شدة الجوع ويضعون الزلط تحت ألسنتهم ليرووا ظمأهم، ومع كل ذلك كانوا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
ولا أحد يقول ولى عهد هؤلاء، نرد بقول الله تعالى ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)
ألم يضرب الصديق المثل الأعلى في صداقته للنبي صلى الله عليه وسلم ، ألم يعرض نفسه للهلاك مرات ومرات من أجل حماية صديقه ، وظل على عهد صداقته للنبي حتى بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ونفذ ما أمر به النبي من إنفاذ جيش أسامة بن زيد ، وحفظ بيضة الدين وحارب المرتدين ووقف مخاطبا الناس يوم وفاة النبي ، محافظا ومعظما شعائر الله ، من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله سبحانه وتعالى حي لا يموت ، ألم يقل عنه النبي أنت يا أبا بكر صديقي وخليلي ، وعمر وعلي وعثمان وبلال بن رباح الذي أذن للصلاة بعد موت النبي وأبكي جميع الحضور من حزنه على صاحبه وترك المدينة ولم يطق البقاء بها بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمر بن الخطاب الذي أشهر سيفه في وجوه الصحابة قائلاً من يقول أن رسول الله قد مات سأضرب عنقه بسيفي هذا.
ولو مكثنا سنوات طويلة نروي عن هؤلاء الأخيار في صداقتهم ومصاحبتهم للرسول الأعظم لن نوفيهم حقهم.
مفهوم الصداقة من وجهة نظري ، هي خلاف الزمالة ، فقد يكون زميلك في عملك لكن ليس صديقك ، فالصداقة تعني المعاشرة ، الموائمة ، التوأمة ، المعانقة معانقة الأرواح قبل معانقة الأجساد ، أبدا تحن إليكم الأرواح
ووصالكم ريحانها والراح.
فقد تكون هناك صداقة بين إثنين لا يعرفون بعضهم البعض ، ولم يلتقيا ، لكن ثم تواصل روحي بينهما ، انفتاح ذوات على ذوات ، فالصداقة قرب وتقارب ، قرب زماني وبعد مكاني.
لكن بالصداقة سيحل المكان فى الزمان والزمان فالمكان فيتساويا في الوجود فيصبحا زمانةومكان.
كذلك من الممكن أن نقول عن الصداقة هي تكامل وليس من الضروري أن تكون الصداقة بين أشخاص ، فقد تكون صديقا لكتاب ، لمكان ، لحيوان ، لأشجار ، لجماد كأن تكون صديقا لمبني أى مبني اعتدت عليه ، لكن أرقاها تجانس الأرواح وتألفها .
وقد تكون صداقة حميمية من نوع خاص صداقتك لذاتك لنفسك ، وقد تكون أشد خصوصية صداقتك للمثل العليا ، ولمثال المثل.
تكون صديقا لربك (تعبير مجازي) مصداقا لقوله تعالى ( واتخذ الله إبراهيم خليلا) ،فأنعم به من صديق قريب منك تناديه وفي سكون الليل تناجيه ، تشكو له همومك وألامك ، وأفراحك وأتراحك .
أما مفهوم الصديق ، فهو الصادق الوعد الأمين ، الذي لا يفارق صديقه من الشمس إلى الظل ، حتى إن افترقا جسدا فروح كليهما معلقة بالآخر ، يكون هو هو ، متشابهان في كل شيئ كأنهما روحان حلا جسدا ، يقوم صديقه إذا أخطأ ويهذبه إذا وجد به اعوجاج قيمي وانحراف أخلاقي .
يكون لصديقه ناصح أمين ، قلبه سكن لقلبه ، مأواهما جسدهما ، صيفهما واحد ، ربيعهما واحد ، برد شتاءهما واحد ، دثارهما واحد
يتقربان إلى الله تعالى بحبهما لبعضهما البعض
دينهما واحد (دين الحب) ، إيمانهما واحد ، إيمان كل منهما ببعضهما البعض .
كما قال المعصوم صلى الله عليه وسلم (المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل) ،أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
والسؤال هذا الصداقة والصديق بهذا المفهوم موجودة الآن ؟!
من الممكن أن نجد ردودا تقول هذه مثالية زائدة عن الحد ونحن الآن في عصر التقدم التقني والتكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي ، وسرعة وتيرة رتم الحياة ، فلا يمكن أن نجد هذا الآن.
أرد وأقول ، كتبت الإجابة لمن أدمن الطرق ، أبحث يا أخي عنه ستجده ، قد تخفق مرة وتصدم مرات كثيرة فى من اعتقدت أنهم أصدقاء، لكن هل نيأس ولا نبحث ، لكن بنية صادقة وبدعاء قلبي وابتهال إلى الله عز وجل أن يوفقك للوصول إلى غاية مرامك ، صداقة وصديق تكون أنت هو وهو أنت.
مع حسن الظن بالله أنه سيوفقك في الحصول على صديق تقي ورع يأخذ بيدك إلى الخير وينقذك من جهالات غفلتك ، وظلمات نفسك ، ويرتفع بروحك فتحلقان في فضاء رحب ، فضاء يسوده الحب والخير والحق والجمال.
*أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.
Average Rating