هل اصبح الإنتحار ظاهرة؟!
د.عادل القليعي *يكتب:
هل من الممكن أن يتخلص المرء من حياته نتيجة لحظة ضعف يستغله الشيطان من خلالها فيجعله يرتكب هذا الجرم العظيم الذي جرمه الله من فوق سبع سموات.
هل لأن الظروف أوقعت شخصا ما في مشكلة، أو في ضائقة مالية ، أو إخفاقا في مشروع ما، أو فشل في علاقة حب مثلا ، أو في عدم وجود فرصة عمل ، أو رسوب في الدراسة.؟!
أليس هذا الفعل الشنيع جريمة في حق الإنسانية جمعاء ، أليس التخلص من الحياة اعتراض على قضاء الله وقدره ، أليس هذا الفعل النكر المنكر جريمة في حق الأسرة إن كان ربا لأسرة من سيعولهم ، من سيعوضهم حنانه ووده.
وإن كان شابا أنفق عليه والديه الغالي والنفيس ويتمنون له الحياة فيسقط فريسة للشيطان الذي يقوده إلى تعاطي المخدرات ودون أن يدري يتخلص من حياته ويحرق قلب أبويه وأسرته وأصدقائه عليه.
تعالوا معي نحلل هذه المسألة تحليلا دينيا ، للوقوف على رأي الدين في هذه القضية ، ثم نحلل الأبعاد النفسية والإجتماعية والإقتصادية ، ونحاول أن نقدم علاجا ناجعا لهذه المشكلة التي بدأت تنتشر في مجتمعاتنا الشرقية والعربية والإسلامية.
في الغرب الأوربي نجد هذا الأمر منتشرا بصورة بشعة نتيجة اعتناق أفكار فلسفية وجودية وأن الإنسان في تخلصه من حياته يسعى إلى حياة أفضل ووجود حقيقي ، على الرغم من توافر الإمكانيات وكل وسائل الرفاهية والعيش الرغد إلا أن الإنسان يفتقد شيئا مهما يفتقد إلى ذاته إلى تحقيق هويته التي اندرس رسمها ووأدتها التقنيات الحديثة ولا أحب أن أظلم التقدم التقني وإنما انجرافنا نحن خلف توظيف هذه التقنيات الحديثة توظيفا خاطئا.
فبات الإنسان كريشة في مهب الريح تتقاذفه الأهواء والشهوات ، فحدث له الاغتراب عن ذاته ، أو انسحق في دوامة الحياة المادية وتراتبها وتزايد وتيرة تلبية قائمة المتطلبات المعيشية فأصبح كأنه ترس في آلة ، أو بتعبير آخر كالثور المربوط في ساقية يجرها جرا مغمض العينين وما أن يفتح عينيه يجد نفسه سقط ووقع في براثن الأوهام التي تودي به إلى القول بأن التخلص من الحياة هو أفضل وسيلة للانتقال إلى عالم أفضل.
وما أن يفيق من سباته أيضا ويحاول أن يعاود أدراجه تجده جثة هامدة ملقاة أمام قطار أو من شرفة منزله أو شانقا نفسه ، وما أن تنتهي التحقيقات وتعلن نتائجها تأتيك المفاجأة وهي أنه هو أو هي من فعل ذلك بنفسه.لماذا؟!.
كلمة لماذا هذه ، تجعلك تراجع نفسك كثيرا وتعاود مطالعة الكتب التى ألفت عن التيارات الفلسفية المختلفة من وجودية وليبرالية ، وماركسية شيوعية وإسلامية وخصوصا الفلسفات اليائسة مثل فلسفة التشاؤم عند شوبنهور ، وفلسفة اليأس عند أبي حيان التوحيدي الذي أحرق كتبه ، لكنه لم ينهي حياته بيده.
ولكن في مجتمعاتنا العربية والإسلامية هل من المعقول أن يتفشى هذا الأمر ، هل يمكن لإنسان شهد للإله بالوحدانية والربوبية ، وشهد لانبياءه بالرسالة ، هل الدين أمرنا عندما تضيق علينا الدنيا أن نتخلص منها ، لا والله لا يوجد هذا الأمر في أي دين من الأديان فقتل النفس في المسيحية خطيئة ، أما في ديننا الإسلامي السمح، فالآيات والأحاديث في تجريم هذا الأمر كثيرة ، فالله تعالى يقول (ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما)، وكذلك نهى النبي عن ذلك ووضح حرمة ذلك عند الله تعالى ، فكيف يهبنا الله الحياة لنحياها ، وبمجرد أن نتعرض لأمر ما نقدم على هذا الفعل البشع.
أيها الشباب ، خطابي هنا موجه إليكم ، أطرح عليكم سؤالا قد تكونوا سألتموه لأنفسكم ، ما الذي يجعلكم تقدمون على هذا الأمر ، هل ضاقت عليكم الأرض بما رحبت وضقتم ذرعا بها لأنكم مثلا أخفقتم مثلا في قصة حب ، أما تتذكروا قول الله تعالى وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، أنت تظن أن ارتباطك بها أو ارتباطك به هو الخير ، لا دعوا الأمور تجري في أعنتها ، فمدبر الأكوان هو الذي أراد ذلك ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، أأنتم أعلم أم الله.
فقد يكون في ذلك خير لكما.
أيها الشباب هل يعقل أن تتخلص من حياتك لأنك أخفقت في الحصول على فرصة عمل، يا أخي الحبيب ألم يقل الله تعالى، ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
فإذا لم تجد عمل في المكان الفلان أذهب واطلبه في المكان الآخر، ولا تكل ولا تمل في الطلب، فكتبت الإجابة لمن أدمن الطرق، فحينما تأتيك الفرصة بسعيك عليها سيجعلك تحافظ عليها، أما ما يأتي سهلا يذهب بمنتهى الاستهتار والسهولة.
أعلم جيدا أن هناك الكثيرون ممن حصلوا على أعلى الدرجات العلمية ولم يتحقق أملهم بوجود فرصة عمل تليق بهم، لكن هل هذا مبرر لليأس وللتخلص من الحياة، أم نعاود السعي والبحث عن الفرصة.
وعلى الرغم من ذلك إلا إنني أوجه وألفت نظر المسؤولين، وأقول لهم استفيدوا من هذه الكوارد العلمية المعتبرة، استفيدوا من هؤلاء الشباب الذين هم الثروة القومية للبلد والذين عليهم المعول الكبير في النهوض بهذه البلدة الطيبة مدعومين بخبرات الكبار، وأعتقد أن الأنظار بدأت تلتفت إليهم.
وأنت أيها الطالب الحبيب، وجميعنا نعلم بحالكم وبكم المعاناة التي تعانونها من سهر وتعب ومذاكرة، ولظروف ما لم تحققوا الدرجات المرجوة، هل يعقل أن تذهب إلى أعلى الكباري المنتصبة فوق النيل وتلقي بنفسك متخلصا من حياتك لأنك لم تحقق مرادك ومراد أبويك، فبدلا من المحاولة مرة أخرى تلقى بنفسك في النيل وأنت وحظك بقى أن ينقذك أحد المارة إن وجد أو تغرق في الماء فتموت على الكفر لأن روحك وحياتك ليست ملكا لك وإنما هي أمانة الله لدينا ، وتحرق قلب أبويك عليك ، فاتقوا الله يا أبنائي.
وقس على ذلك من لا يمتلك مالا وعنده أطفال لا يجد ما يقوتهم به فبدلا من السعي في طلب الرزق يتخلص من حياته ومن حياتهم أيضا ، أي بؤس هذا.
يا أخي وكل أمرك إلى الله تعالى ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
لكن توكل واسعى فى الأرض واطلب الرزق ولا تتواكل ، وتوكل على الحي الذي لا يموت ، الذي هو معك ويراك وشاهد عليك ، فإذا كان هو يراك ومعك وشاهد عليك فماذا ستقول له يوم أن تقف بين يديه عندما يسألك لماذا فرطت في نفسك وقتلتها، لماذا قتلت أولادك ، لماذا اتبعت الشيطان الرجيم وسرت خلفه.
السيدات والسادة ، انتبهوا جيدا لمقولتي هذه:(إن الله وهب لنا الحياة لنحياها ، لا أن نتخلص منها لظروف مادية أو إجتماعية ، أو نفسية ، فلكل داء دواء ، ولكل معضلة حلول لها.)
أقولها لكم ، لا تهنوا ولا تحزنوا ، أقولها لكم بأعلى صوتي اتقوا الله في أنفسكم ، في أولادكم ، في مجتمعاتكم ، اتقوا الله فى الله ، اتقوا الله ويعلمكم الله ، واجعلوا رسلكم قادة لكم وقدوة لكم ، اجعلوا آبائكم وأجدادكم أسوة لكم، كم تعبوا، كم سهروا، كم اجتهدوا، كم هي الليالي التي قضوها وناموا دون أن يأكلوا وصبروا واحتسبوا وسعوا وما كلوا وما تعبوا حتى تحقيقت مراداتهم.
فلا تيأسوا وتستسلموا بل اسعوا وصابروا ورابطوا ولن يتركم الله أعمالكم.
هذه مقالتي أهديها إليكم، وهذه نصائحي ولست بأفضل منكم، لكن هناك من يحب الناصحين وأنا أحب من ينصحني ويبصرني بعيوبي، فرحم الله رجلا أهدى إلي عيوبى، يبكيني الآن لكن في ابكاءه لي رحمة لي، سأسعد بها قريبا، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.
وأختتم حديثي بقوله تعالى، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.
هل الانتحار أصبح ظاهرة؟!
السؤال لحضراتكم.؟!!!!
* أستاذ الفلسفة بآداب حلوان
Average Rating