كلنا هذا الرجل!
د.عادل القليعي يكتب:
لست من دعاة النزعات التشاؤمية ولا من دعاة الأباثيا أو التحريض على اللامبالاة ، ولا أيضا عرف اليأس طريقي ، بل كنت أقاومه بكل ما أوتيت من قوة متمسكا ومتطلعا إلى أمل في غد أفضل مستعصما بسير وقصص كفاح من سبقونا ، متسلحا بقرآن خشعت له الأحجار قبل أن تخشع وتلين له القلوب.
بل وكلما ضاقت واستحكمت حلقاتها كنت أقول ما عسر إلا ويأتي معه يسر مصبرا نفسي وكل من أراه أمامي أثقلته الهموم وكنت دوما أقول لأمثال هؤلاء أهمومك أم عفو الله ، مهما بلغت هموما وبلغت من الهم والغم مبلغه ، أليس هناك رب كريم غافر الذنب وقابل التوب وفارج الهم ومنفث الكرب.
نعم فمهما ضاقت واستحكمت حلقاتها وكنا نظن ألا تفرج ، فرجها الله تعالى.
نعم هي أعباء جسام تنوء من حملها الجبال ، أسر بحالها ليس لها عائل وليس لها اللهم إلا عين واحدة تكابد وتكافح من أجل أن تصل بأبنائها إلى بر الأمان.
تعمل وتجد وتحرص بكل ما أوتيت من سبل العيش المشروعة ( الحلال)، نعم الحلال لأنها لا تعرف سواه ، ما ربيت على غيره ، على الرغم من أن سبل الاعوجاج والطرق الملتوية ما أكثرها ، لكن كيف ذلك والله تعالى يقول (ما أغنى عني ماليه)، ويقول أيضا (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله)، فالتقوى تنفع الذرية-
كيف ذلك والقبور تنادي على سكانها كل يوم ، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود ، أنا بيت الوحدة ، فماذا اعددتم إلي.
كيف ذلك والملك يقول (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم).
كيف ذلك والمعصوم صلى الله عليه وسلم يقول كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
كيف يكون ذلك وأزواج الصحابة يقلن اتقوا الله فينا ولا تطعمونا إلا من حلال.
نعم كل من هو مستمسك بكتابة الله وعتصم بسنة نبيه يعلم ذلك.
لكن سؤال يطرح نفسه ويطرحه الواقع إلى متى سيظل الحال ، وإلى متى سيظل الواحد منا في هذه الدوامة ، في هذه الطاحونة ، إلى متى سيظل يقاوم ضيق العيش وقلة الموارد وغلاء الأسعار ، إلى متى سيظل ينظر لأولئك الذين يعيثون فى الأرض فسادا ويرقصون على جثث الغلابة والمساكين مدغدغين مشاعرهم وهم يتمايلون ويتراقصون والأموال تحت أقدامهم ، والكادحون الذين نشأوا على الفضيلة والقيم العليا لا يجدون ما يكملوا به شهرهم ، بل وينتظرون رواتبهم الزهيدة من الشهر إلى الشهر بل ويذهبون إلى ماكينات الصرافة وكأنهم يتوسلون إليها أن تمدهم بما يكملون به شهرهم ربما تأتي منحة أو ما شابه ذلك.
إلى متى سيظل القابضون على مبادئهم متمسكون بها ، إلى متى سيتحمل هؤلاء الذين مجرد أن يمسكوا رواتبهم في أيديهم ، يقسمونها ولا تبيت حتى ليلة في بيوتهم.
أليس هذا هو حالنا جميعا ، لا أريد أن ندفن رؤوسنا في الرمال أو نتلون كالحرباء ، أليس هذا هو حال الطبقة الكادحة التي أفنت عمرها مستمسكة بالمبادئ العليا ، أليس هذا هو حال أصحاب الشهادات العليا والذين حصلوا على أعلى الدرجات العلمية.
قارنوا أحوالهم المعيشية ، إن لم يكن حالفهم الحظ وسافروا خارج البلاد – قارنوا حالهم بحال مغن فاشل لا يعرف حتى ( يفك الخط)، وتشاهده يركب أفخم السيارات ويسكن فى أرقى الأماكن.
لا أحد يقول لي ما أحفظه ، أنتم علماء ، وأنتم كرمكم الله ، وأنتم سيخلد اسمكم مع الخالدين ، نعم أحفظ كل ذلك.
لكن أليس من حق البسطاء الفقراء أن يعيشوا حياة كريمة ، أليست لهم أسر تريد أن تتعلم تعليما جيدا وتسكن سكنا طيبا ، وتمارس حياتها كمواطنين لا أقول من الدرجة الأولى المفتخرة ، وإنما تمارس حياة إنسانية تليق بإنسان كرمه الله تعالى على سائر المخلوقات وضمن له حياة كريمة.
فلماذا أفسدتم الحياة الكريمة أيها المسؤولون عن توفير الحياة الكريمة.؟!
*استاد الفلسفة بآداب حلوان
Average Rating