التقنيات التكنولوجية وتنشيط الوعي الدلالي والإدراك الحسي فى مناظر مسرح الطفل

Read Time:2 Minute, 33 Second

د. ندى طارق تكتب:

تعد العلاقة التفاعلية بين التقنيات التكنولوجية الحديثة ومناظر مسرح الطفل المعاصر، علاقة تشبه العلاقة التفاعلية الحياتية بين ما نفصح عنه وما لا نفصح عنه، وفي الحالتين مضمون وفكر وحركة درامية تحرك الوجود والوجدان، إذ أن تقنيات التكنولوجية الحديثة، تسهم فى خلق منظر مسرحى يمتلك الثراء الدلالى، بل تسهم فى خلق شخصيات وأبعاد معنوية ونفسية ومناظر مسرحية متكاملة العناصر، تلعب دوراً فى إضفاء أبعاداً جديدة مستقلة، ومتفاعلة مع البناء المسرحي العام للطفل، تُغنيه وتشارك في مساره، بل تصنعه في كثير من الأحيان، وعليه فالتقنيات التكنولوجية الحديثة بعد أخر في ملامح بناء المنظر المسرحى فى عروض الطفل المعاصرة .

يعتبر المنظر المسرحى فى عروض مسرح الطفل لغة بعيدة عن المباشرة، وعن تسمية الأشياء بأسمائها، إذ أن المنظر المسرحى بطبيعته الأولى لا يحدد بل يحرر، ولا يوجه بل يُطلق، ولا يشرح أو يفسّر لكنه يوحي ويحير، إنه لغة صامتة، لا يقول أي شيء إلا كي يقول كل شيء، لذا ينبغي الولوج إلى فهم أهمية المنظر المسرحى فى عروض مسرح الطفل المعاصر، ودوره فى تحفيز الذهن والعاطفة، من حيث هي ما يحرر من التقييدات المعنوية والتحديدات الدلالية، نحو الخيال والبحث والتأويل.

وعليه فإن التقنيات التكنولوجية الحديثة في خضم العناصر المسرحية الأخرى الداعمة، إنما تشكل عنصراً هاماً في تكوين المنظر المسرحى الخاص بعروض مسرح الطفل المعاصر، إذ تعمل على تنشيط الوعي الدلالي والإدراك الحسي، فهي لا تحيل الأشياء والعناصر إلى ذاتها، بل تفرقها عن ذاتها، وتنزع عنها مرجعياتها المعنوية والدلالية، ناقلة كل ما يُشاهد ويُسمع إلى حيز الفعل الذهني المُشارك والخلاق، لا إلى الحيز الذهني المتلقي بسلبية وخمول، إنها تفكفك المُتحد، وتشكك بالمُطلق، وتهدم المُسلمات، وتخلخل المفاهيم، وتُسقط المعاني المُعجمية من علياء جمودها، نحو حركية ودينامية خلاقة وشكاكة وباحثة.

لذا فإن التقنيات التكنولوجية الحديثة تلعب دوراً محورياً فى تكوين المنظر المسرحى فى عروض مسرح الطفل المعاصر، فهى لا تفسر أو تشرح بل تحير وتثير الأسئلة، إذ أنها لا ترى الوجود بوصفه حقيقة، بل تخلق هي حقائقها الخاصة، حقائق من الخيال والخداع لكنها أجمل من الواقع، لذلك فالتقنيات فى مناظر مسرح الطفل تتجاوز كونها أداة من الأدوات إلى أدوار أخرى هامة جداً، فهى لا تشرح الوجود ولا تفسره ولا تقدسه، لكنها تعيد خلقه باستمرار، تؤلفه فيما يؤلفها وتهدمه فيما تبنيه، وعليه يمكن فهم مدى قدرة تلك التقنيات في التأثير على نمو وتطور شبكة مفاهيم وتداعيات الخواطر المتشكلة في ذهن الطفل / المشاهد، والتي تشكل بدورها جزءاً هاماً من وعيه وحسه وإدراكه، ووسائل إنفعاله وتفاعله مع الحياة .

يعد مسرح الطفل مسرحاً لمنطق الخيال، أو اللامنطق هو قانون القوانين فى هذه النوعية من العروض، وهو مسرح الخروج عن المألوف هو سنة السنن، ففى مسرح الأطفال تتكلم الحيوانات بلا حرج، والغابات تغص بالأصدقاء والقصص، والجبال تنحني والبحار تستشيط غضباً أو تتنحى حُباً، وزهرة الأرجوان أيضاً تلعب دور البطولة وتُنسَجُ من حولها الحكايات، لذلك تأخذ التقنيات التكنولوجية الحديثة فى عروض مسرح الطفل المعاصر على عاتقها مهام من نوع جديد، لتكوين المنظر المسرحى، بل وتحديات لا حدود لإحتمالات تحققها، هنا تتجاوز تلك التقنيات التكنولوجية الموسيقى خضوعها للعوامل المسرحية التقليدية فى بناء المنظر المسرحى، وتتحول إلى فاعل أساسي فى تلك النوعية من العروض، هنا تبدأ متعة مسرح الأطفال، وهنا يبدأ الطفل / المشاهد بالتشكل بوصفه إنساناً مُختلفاً .

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *