شعائرنا الدينية بين العادة والعبادة
د.عادل القليعي يكتب: *
لا يساورني شك في أن هذا العنوان سيثير تساؤلات كثيرة أعتقد أن أهمها،ما الذي أقصده من هذا العنوان،وماالجديد الذي سيضيفه إلي المكتبة الدينية الإسلامية.؟!
بداية لابد أن نتفق علي أمرين أولهما: أنني لست فقيها ولا أدعي فقها ولاحتي أصنف ضمن علماء الدين.
الأمر الثاني:أن أي مفكر كل في مجاله يحاول قدر استطاعته الوصول بفكره إلي كافة المستويات والأنماط الفكرية بلغة سهلة بسيطة دونما إخلال بالمضمون الذي يقدمه ودون المساس بجوهره.
لكن من الممكن برؤية تجديدية يحاول أن يوظف هذا المعطي لخدمة واقعه المعيش بغية الإفادة والاستفادة،الافادة من خلال تقديم رؤية تنويرية تصلح كمحرك ووقود فكري لإخراج الناس من مرحلة التبعية البغيضة التي تقود إلي الرجعية والعود القهقري الي الوراء.
الي إنسان معاصر يعيش واقعا لا يستطيع بحال من الأحوال الفكاك منه نتيجة تراكمات وبناءات موروثة تارة،وتلقينية تارة أخرى.
وهذا ما أحاول الحديث عنه في كيفية التحول بالشعائر من العادة الي العبادة،والتحول من التلقين والحفظ والقص واللصق الي المراجعة والمقارنة والنقد،بين ماهو غث وماهوثمين،بين ماهو جد وما هو هزل.
إنسان اليوم ليس هو إنسان الأمس وأعي ما أقول لا اقصد التكوين البيولوجي والفسيولوجي.وإنما إنسان العصر يواجه تحديات كبيرة يقف أمامها متحديا أكون أو لا أكون، لا أكون أو أكون ، أما لا أكون فليس لها مكان في مفرداتنا.
إما أن أثبت ذاتي وأكون هويتي الفكرية وسط هذا الخصم الهائل من المتغيرات والمتناقضات والصراعات التي تحدث علي كافة المستويات الثقافية بتياراتها المختلفة من ليبرالية،اشتراكية،نفعية براجماتية،يسارية ،اسلامية،علمانية.
ومن سماوات مفتوحة وثورة معلومات واتصالات،هل سنقف موقف المتفرج منها أم سيكون لنا رأي خاص بنا.
الإنسان بما هو كذلك بحاث يحب أن يبحث عن الحقيقة،يحب أن يعرف ويتعلم،السؤال دأبه وديدنه،يحب أن يسأل باستمرار،وتلك فطرة الإله التي فطر الناس عليها.
يسأل سؤالا وجوديا ما حقيقة وجودي،ولماذا خلقنا وما مصيرنا،وأين الإله وهل يوجد حقا إله،ولله المثل الأعلى،لكن هي تساؤلات وإذا كان يوجد إله ومعتن بنا فلماذا أوجد الشر في هذا العالم .
وهو بذلك يسبح في بحر لجي ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها،يبحث في الأرض حيران تتقاذفه أمواج التيارات الفكرية المختلفة شاكا،ثم وجوديا ،ثم شيوعيا،ماركسيا،اشتراكيا،علمانيا،اسلاميا تارة وهابيا،واخري إخوانيا وتارة ثالثة درويشا متصوفا.
الي أن تمتد له يد العناية الإلهية،ويجد ضآلته المنشودة ويلوح له نورا في آفاقه الفكرية يحرك داخله ضمير الإنسان فطرته التي جبل عليها،تقول له لا أنت لم تخلق عبثا ثم هدفا أسمي وجدت من أجله.
هدف أسس هذا النظام الكوني من أجله،هذا الهدف هو الوصول إلي الحق الأسمي،إلى المطلق إلي الترانستندال، إلي اللامتناهي، إلى الموناد الأعظم سر الأسرار بلغة الفلاسفة،الله بلغة علماء الدين وعلماء اللاهوت.
وهنا يأتي دور الدين يأتي دور الاعتقاد،دور الدين الذي ينقلنا من حالة إلي حالة .
من اللاوجود إلي الوجود،ويأتي دور عالم الدين -أي دين-وليس رجل الدين وأعي ما أقول تماما فليس كل رجل دين عالم دين.
كثيرة هي رجالات الدين الذين يعبثون بالدين ويسخرونه لخدمة مآربهم الدنيوية السلطوية،الذين يشترون الدنيا بالآخرة “فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين”، الذين تملي عليهم الاملاءات أفعل ولا تفعل،اشتروا الضلالة بالهدي،الذين يحاولون العبث بالثوابت وتحريفها.
نريد علماء دين ربانيين يعملون بكتبهم المقدسة ويوظفونها توظيفا صحيحا توظيفا تنويريا،فنحن المسلمون قرآننا وسنتنا واجتهاداتنا دعوة للتنوير والمواكبة والمعاصرة دونما إفراط أو تفريط (وسطية الإسلام.)
تنوير العقول التي باتت أن تصدأ من التقليد،وهنا يأتي الدور الفاعل لهؤلاء العلماء التحول بالشعيرة من العادة الي العبادة بمعني إبراز الخطاب الديني التجديدي التوعوي تنوير العقول في شعيرة مثل الصلاة الكثير ولد فرأى أباه يصلي أصبحت الصلاة عنده عادة يسمع الأذان ينزل،قبل أن ينزل يتوضأ،يدخل إلي الصلاة إنما هي حركات ديناميكة يؤديها قد تفيد الجسد وتفيد المخ والأعصاب .
لكن هل هذه هي الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه وهل هذه التي أمرنا بها الله و أوصي بها النبي.
هذا هو دور العالم المجدد في دروسه يشرح ما الفائدة التي ستعود علي الفرد ومن ثم المجتمع وما الفائدة المرجوة من هذا الاجتماع خمس مرات في اليوم وما القيم الخلقية التي سترسخ وما أثر ذلك علي واقعنا المعيش.
كذلك الحج والصيام ما فائدتهما ولم شرعهما الله وما حقيقة التكافل الإجتماعي الذي سيترتب عليه أن نشعر بالجوع ومن ثم نشعر بمن حوالينا من الفقراء والجوعى.
أنت لك وقت محدد وستفطر علي ماتشتهيه الأنفس مما لذ وطاب،وهناك الجوعى الذين أنهكتهم الحروب وأتت علي الأخضر واليابس الذين يلتحفون السماء غطاء لهم،بلا مأوى بلا مشرب بلا مطعم ،البرد القارص صديقهم ودانات المدافع تتساقط عليهم من كل حدب وصوب، ورائحة البرود تفقدهم حاسة الشم.
الغاية من ذلك نشعر بهؤلاء ونتعاطف معهم ونمد لهم يد العون ولو حتى بالدعاء وهذا أضعف الإيمان بدلا أن يشكونا إلى الله.
وكذلك الزكاة ومصارفها الشرعية الحقيقية لا عبث بها ولا سرقتها بحجة (والعاملين عليها) وإنما توضع في محالها الصحيحة،وحتي إن استخدمت في مشاريع تستخدم في مشاريع يستفيد منها الجميع كبناء المدارس والمعاهد والمستشفيات ودور الأيتام وحفر الآبار بإشراف المعهود والمشهود لهم بالأمانة.
هكذا يكون الفهم الصحيح لحقيقة الدين ومن ثم نستطيع بذلك أن نبني إنسان معاصر يستطيع أن يتوأم ويتوافق مع متغيرات العصر.
لماذا لأنه سيكون لديه أرضية صلبة يقف عليها يميز من خلالها بين الحق والباطل،الصواب والخطأ،الخير والشر،الجميل والجليل،الحسن والقبح دونما عبث بالثوابت فثوابتنا ثبوتها في حركيتها وحركيتها في ثبوتها بمعنى توظيف الثابت لخدمة المتغير دون الإخلال بهذا الثابت
فثوابتنا قرآننا وسنتنا تتوافق وتتوائم وتصلح لكل زمان ومكان،وثوابتنا هذه أقرت مبدأ الاجتهاد الذي يعلي من قيمة العقل.
فهل من مجيب.؟!!!!
فهل من مستجيب.؟!!!!
*أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان
.
Average Rating