“نوبل” واصحاب الفضل على نجيب محفوظ!!
سيكون من الخطأ أن تعتقد أن جائرة نوبل التي حصل عليها نجيب محفوظ تعود لفضله وحده دون سواه. لقد كان محفوظ يقرأ كتبا عديدة في علم النفس والفلسفة والأدب ولم يخبرنا من قريب أو بعيد عن أسماء مؤلفيها الذين اعتمد عليهم واغترف منهم.
لم يخبرنا عن كتب الطب والتاريخ والاجتماع أو الهندسة المعمارية. لقد كتب رواياته وحصل على نوبل ولم يأخذ هؤلاء الكتاب والمفكرون نصيبهم في نوبل.
لم يأخذ نصيبه في نوبل أيضا تلك الفتاة التي ذاق معها الحب أول مرة قبل الزواج الذي تأخر كثيرا، ولم تأخذ نصيبها تلك الفتاة التي أحبها حد العبادة وكسرت قلبه وكان ذلك إلهاما ما بعده إلهام.
لم يأخذ نصيبه في نوبل أولئك اللائي جئن إلى أمه في مهد صباه يروين لها أسرار الحارة وأفاعيل الرجال في الفراش وفي الحب والغزل وفي المكر والدهاء، بينما الصبي محفوظ يسمع ويحفظ في الذاكرة.
لم يأخذ نصيبه في نوبل كناس الشارع الذي كان يجلس على ناصيته نجيب محفوظ لينظر إلى أفق نظيف، ولا ترزي البدلات الكلاسيكية التي كان يظهر بها في وقار المتعفف القنوع، وبالطبع لم يأخذ نصيبه في نوبل زارع القطن في صعيد مصر الذي احترقت جبهته تحت الشمس ليزرع ما سيحيكه الترزي الماهر لنجيب محفوظ.
لم يأخذ نصيبه في نوبل عامل القهوة الذي كان يصب له في الفنجان الأبيض فيرتشف محفوظ قهوته سعيدا ويمضي إلى تأمله في الحياة.
بل إن المزارع الحبشي في هضبة إثيوبيا أو البرازيلي في الأمزون أو الفقير التعيس في هضاب اليمن، كلهم لم يأخذوا حقهم من نوبل رغم كل أشجار البن التي زرعوها لتصل حباتها إلى القاهرة ويرتشف خلاصتها محفوظ.
لم يأخذ نصيبه في نوبل عامل المطابع بثيابه المتسخة من شرف الأحبار، ولا جامع الحروف على الآلة الكاتبة وقد انحنى ظهره وتألمت عظامه من طول العمل، ولا مصفف الصفحات وموزع الجرائد والكتب التي نشرها محفوظ.
لم يأخذ نصيبه في نوبل ذلك القارئ الذي استمتع بما يكتب محفوظ فسأل الله له موفور الصحة وطول العمر.
إن نوبل التي وصلت إلى محفوظ قد شارك فيها ألف مساهم لا نعرفهم ولا ندرى أسماءهم ولا مصيرهم ولا أية حياة كانوا يعيشونها.
وأنت أيضا، انظر إلى نفسك يا عزيزي، واعلم أن هناك ألف إنسان له فضل عليك، ربما نسيت أو أنكرت أنت أسماءهم، لكن الله قد كتب كل خير فعلوه من أجلك، سواء أعلنت ذلك أنت …أم تجاهلت وأنكرت.
بقلم/د. عاطف معتمد
أستاذ الجغرافيا
Average Rating