فلسفة “اهدنا الصراط المستقيم”
الفاتحة هي الركن الأعظم في صلاة المؤمن، وهي تنقسم إلى جزأين، طلب، وتمهيد للطلب، الطلب هو: الهداية، والتمهيد: يبدأ بحمد الله والإقرار بربوبيته، والثناء عليه والاقرار بالعبودية له مع الاعتراف بالحاجة الى معونته : (اياك نعبد، واياك نستعين)،
فإذا ما مهدنا بكل ذلك يأتي رجاؤنا وتضرعنا إلى ربنا بطلب الهداية.
(اهدنا الصراط المستقيم).
نفعل ذلك في اليوم والليلة سبعة عشر مرة على الأقل، كل يوم في الفجر وفي الظهر وفي العصر وفي المغرب وفي العشاء، ندعو ربنا: (اهدنا الصراط المستقيم)،17 مرة في اليوم على الأقل، ونبقى هكذا طول العمر، نطلب الهداية. وهذا هو صلب سورة الفاتحة ـ فيما رأيت ـ وعلى غير ما ذهب إليه كثير من المفسرين،
صلب أم الكتاب وفاتحته هو هذا الدعاء: (اهدنا الصراط المستقيم).
**
ولك أن تلاحظ ـ أولاًـ أن سورة البقرة وهي التالية للفاتحة جات مقدمتها وكأنها استكمال لنهاية الفاتحة: (الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ).
ولك أن تلاحظ ـ ثانياًـ آيات الاستخلاف في أوائل سورة البقرة التي بدأت بإخبار الملائكة (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) اختتمت بالأمر من الله بالهبوط واتباع هدي الله. (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
ولك أن تلاحظ ـ أخيراً ـ أن من يبتهلون إلى الله بدعاء الهداية كل يوم سبعة عشر مرة على الأقل، هم المصلون العابدون، بل إن المصلي العابد لله المؤدي لكل الفروض والنوافل، يكثر معه الطلب بالهداية يومياً، وعلى مدار الساعة. كلما كثرت صلاتك كثر طلبك للهداية.
**
ذلك أن المؤمن في حاجة ماسة الى الهداية في كل وقت وفي كل تصرف وفي كل تحرك، بل في كل قول وكل سكوت، وما الحياة إلا عرض مستمر من الابتلاءات والاختبارات يحتاج الى هداية مستمرة، فمن كان الله هاديه فلا مضل له، ومن كان هاديه الشيطان ونزعاته ورغباته فهدايته موكولة الى من يستهديه.
والمؤمن السائر على الطريق المستقيم لا يستهدي إلا رب العالمين مالك يوم الدين .. ولا يعبد إلا اياه ولا يستعين إلا به ..
**
أنت لا تطلب الهداية فقط سبعة عشر مرة في اليوم والليلة ولكنك تطلب الهداية بصيغة الجمع: اهدنا، فلا تقول اهدني الصراط المستقيم بل تقول اهدنا الصراط المستقيم،
ذلك لأن كل هداية للفرد تبقى منقوصة، لو أن المجتمع كله لم يكن على طريق الهداية،
هدايتك منقوصة لو أن أهل بيتك على غير الطريق المستقيم، هدايتك منقوصة لو أن أهل شارعك وقريتك ومدينتك ووطنك وأمتك على غير طريق الهدى.
الهداية الفردية قد تكون طريقا للخلاص الفردي ولكنها تبقي الفرد معرضا أكثر للانتكاس عن الهداية والتنكب عن الطريق المستقيم إذ المجتمع الذي يعيش فيه يدعوه إلى الضلالات.. أو يسهلها له ..
**
اللهم اهدنا الصراط المستقيم.
بقلم / محمد حماد
كاتب صحفي
Average Rating