أحمد شوقي ومحمود ياسين… علاقة عجيبة!
أحمد
ناصر عراق يكتب: *
في 14 أكتوبر 1932 مات أمير الشعراء أحمد شوقي، وفي 14 أكتوبر أيضًا، لكن في 2020 رحل النجم الأشهر محمود ياسين، فهل هناك ما يربط بين الرجلين غير يوم الرحيل؟.
صحيح أن الزمن لم يجمع الرجلين في عصر واحد، فشوقي غاب عن الحياة قبل مولد محمود بتسع سنوات، لكن يصح القول أيضا إن ثمة تشابهات كثيرة ألّفت بين الشاعر الأعظم والفنان المتفرد من أهمها دراسة القانون، فالأول تخرج في كلية الحقوق بفرنسا عام 1892، والثاني حصل على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس سنة 1964. وقد عززت دراسة القانون لدى كل منهما عشق العدل والنفور من الظلم، فتجلى ذلك في قصائد شوقي وأفلام محمود.
من جانب آخر، فإن الأمير شوقي هو أول شاعر مصري وعربي يخوض عباب المسرح الشعري إذ كتب لنا عدة مسرحيات فاتنة منها (قيس وليلى/ مصرع كليوباترا/ قمبيز/ الست هدى)، أما محمود ياسين فقد انطلق إلى عالم التمثيل من فوق خشبة المسرح، حيث كان عاشقا له بامتياز، فعمل بفرق المسرح بمدينته الباسلة بورسعيد قبل أن يستقر في القاهرة وينضم إلى المسرح القومي.
ثالث الأمور التي ربطت الأمير بالممثل يتجلى في أن الثاني ارتدى شخصية الأول في مسلسل تلفزيوني مهم حمل اسم (أمير الشعراء) عرض في ثمانينيات القرن الماضي، وهكذا وثب النجم إلى زمن الشاعر وعصره، فشهدنا عملا متميزا فريدًا.
قبل ذلك بسنوات قليلة لم يكتف النجم باقتحام قصر الأمير، بل تجول في أركانه ومضى يردد بصوته الرخيم قبسات من أشعاره، ليس بمفرده، وإنما برفقة سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة نفسها وفنان آخر اسمه محمد شاكر.
وإليك تفاصيل هذه الحكاية المنسية:
في عام 1977 تقريبًا قررت الدولة تحويل قصر أمير الشعراء بالجيزة إلى متحف، وكان شوقي قد أطلق على قصره اسم (كرمة ابن هانئ) إعجابًا بالشاعر العباسي المدهش أبو نواس، واسمه الحقيقي الحسن بن هانئ (رحل في بغداد عام 814 ميلادية). وبالفعل جرى تطوير القصر/ المتحف وافتتحه الرئيس أنور السادات بنفسه وبرفقته الموسيقار الأعظم محمد عبدالوهاب بوصفه الابن الروحي لشوقي، حيث خصص له صاحب القصر غرفة للإقامة لينفرد بنفسه ويبتكر الأنغام الجميلة.
في يوم الافتتاح هذا قدم الفنانون محمود ياسين وفاتن حمامة ومحمد شاكر أمسية شعرية تنهض على اقتباس مجموعة متنوعة من قصائد شوقي يلقيها هؤلاء الثلاثة بالتناوب في مشهد مسرحي حافل بأرفع آيات الأداء الصوتي.
أذكر جيدًا أيضًا أن التليفزيون المصري ظل يذيع هذه الاحتفالية النادرة على فترات، لكن من أسف اختفى التسجيل الكامل لتلك الاحتفالية ولم يعد له وجود سوى دقائق قليلة على يوتيوب.
ولأن العلاقة بين شوقي ومحمود ياسين أوثق مما نتوقع، فمازال في جعبتي ما أخبرك به، فدعني أذكّرك بأغنية (نشيد مصر) أو (مصر الأمل) التي لحنها عبدالوهاب وكتب كلماتها باللهجة العامية حسين السيد، لكن عبدالوهاب المفتون بشوقي وشعره اقترح تطعيم الأغنية ببعض أبيات لشوقي وحافظ، واستدعى محمود ياسين ليلقيها بجوار الفنانة وردة التي ستترنم بالكلمات العامية. وهكذا، وربما للمرة الأولى والأخيرة، تقف وردة وبجوارها محمود ياسين على المسرح ليقدما معًا هذا العمل المتفرد، حيث ينطلق محمود مرددًا شعر شوقي: (جلال الملك أيام وتمضي/ ولا يمضي جلال الخالدين… تعالى الله كان السحر فيهم/ أليسوا للحجارة منطقينا؟).
يبقى أن أقول لك إن محمود ياسين عاشق أصيل للغة العربية مثل شوقي، وفي حواري معه في فيلته بالهرم قبل 28 سنة تقريبًا ظل يجيب عن أسئلتي طوال ثلاث ساعات بعربية فصحى رشيقة عذبة لا ثرثرة فيها ولا إطناب.
حقا… ما أروع اعتزازنا بالأمير وما أسعدنا بالنجم.
كاتب صحفي
Average Rating