غسان أبو ستة ومحاولة تكميم أفواه فاشلة!!

Read Time:4 Minute, 36 Second

قبل انطلاق عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر الماضي لم يكن أحد يعرف عنه شيء، ولم يكن إلا طبيب عربي فلسطيني يحمل الجنسية البريطانية، مثل ألاف الفلسطينيين النابغين والنابهين الذين حصلوا على درجات علمية في مختلف التخصصات، من كبرى جامعات العالم وتظل المعرفة بهم محصورة داخل مجال تخصصاتهم العلمية والعملية الضيقة، فالقليل بل والنادر الذي تمكن من تخطي هذا الحاجز خاصة إذا كان تخصصه بعيداً عن العمل السياسي والمجال العام، على عكس ما حققه إدوارد سعيد الأستاذ الجامعي والناقد الأدبي والمنظر الفلسطيني الأمريكي الجنسية، والذي اشتهر بالدفاع عن حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني، ووصفه الكاتب الصحفي البريطاني الكبير روبرت فيسك “بأنه أكثر صوت فعال في الدفاع عن القضية الفلسطينية”، وكذلك هشام شرابي الأستاذ الجامعي والمؤرخ الفلسطيني الذي كان أحد تلاميذه هو الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، وقام بإنشاء عدد من المؤسسات التي تعنى بشؤون الوطن العربي والقضية الفلسطينية، منها مركز الدراسات العربية المعاصرة في جامعة جورج تاون، ومركز التحليلات السياسية حول فلسطين في واشنطن، وصندوق القدس وهو منظمة فلسطينية تقدم منحاً دراسية للطلاب الفلسطينيين.

ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى برز أسم الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، وهو طبيب تجميل وترميم هاجرت عائلته من بئر السبع عام ١٩٤٨ إلى خان يونس بقطاع غزة، ثم هاجر والده إلى الكويت عام ١٩٥٣وتزوج من لبنانية أنجبت غسان في عام ١٩٦٩، وعاش غسان حياته في الكويت حتى حصوله على الشهادة الثانوية، ثم التحق بجامعة غلاسكو بأسكوتلندا في المملكة المتحدة عام ١٩٨٩ لدراسة الطب، وتخرج من الجامعة وعمل بها، ثم شغل منصب رئيس قسم جراحات التجميل في الجامعة الأمريكية في بيروت خلال الفترة من ٢٠١٢ إلى ٢٠٢١، وكان أول طبيب يضع منهاج عربي في طب النزاع والحروب، وصدر له كتاب طبي بعنوان “إعادة بناء المريض المصاب في الحروب”، وكتاب “سردية الجرح الفلسطيني” بالتعاون مع ميشال نوفل، ونشرت أعماله العديد من الصحف ووسائل الإعلام، مثل لوموند وذي إندبندنت وبي بي سي وسي إن إن، وعين في ١٢ إبريل ٢٠٢٤ رئيساً لجامعة غلاسكو في اسكتلندا بالمملكة المتحدة بعد حصوله على أكثر من ٨٠٪ من الأصوات، وسيشغل المنصب لمدة ثلاثة سنوات.

وإلى جانب ذلك يعمل أبو ستة محاضر في مركز دراسات إصابات الانفجار في جامعة إمبريال كوليدج في لندن، ومحاضر في فريق أبحاث الصراع والصحة في كلية كينجز بلندن، والمسؤول الطبي لمبادرة الرضوح في المكتب الإقليمي لشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس إدارة جمعية إنارة لتوفير الجراحة الترميمية للأطفال من مصابي الحرب في الشرق الأوسط، وعضو مجلس أمناء مؤسسة المعونة الطبية للفلسطينيين في المملكة المتحدة، وعمل كجراح حرب في اليمن والعراق وسورية والجنوب اللبناني، هذا بخلاف عمله في قطاع غزة كلما اندلعت الحروب في السنوات الأخيرة.

وعند انطلاق عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر الماضي، دخل أبو ستة القطاع يوم ٩ أكتوبر ضمن فرق “أطباء بلا حدود”، حيث اجتاز معبر رفح لتوصيل المساعدات الإنسانية، ثم عمل متطوعاً في مستشفى الشفاء، وكان شاهداً على مجزرة مستشفى المعمداني، وبسبب انهيار النظام الصحي، غادر قطاع غزة يوم ٢١ نوفمبر بعد ٤٥ يوم قضاها في الجحيم عائداً إلى لندن، لكنه لا يزال متأثراً بالتجربة المؤلمة في قطاع غزة، ولا تزال الصور تطارده، وقد غمرته مشاعر الذنب، لذلك قرر أن لا يصمت، وأن يخرج على كافة وسائل الإعلام العالمية لنصرة أبناء شعبه الفلسطيني ولفضح العدو الصهيوني وكشف جرائمه.

وبدأت تحركات أبو ستة ببلاغ تقدم به إلى شرطة لندن آملا أن تؤدي شهادته التي قدمها للشرطة البريطانية إلى محاكمات بتهم ارتكاب جرائم حرب، مؤكداً أنه عالج أشخاصاً مصابين بحروق ناجمة عن الفوسفور الأبيض الذي يحظر القانون الدولي استخدامه كسلاح كيميائي، ولم يكتفي أبو ستة بهذا البلاغ لشرطة لندن، بل سافر إلى لاهاي للإدلاء بشهادته كجزء من تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب، حيث أكد “أنه عالج جروحاً سببها الفسفور الأبيض والذي يسبب حروقاً شديدة، وغالباً ما تصل إلى العظام، وكان المرضى يعانون من حروق دائرية سوداء، بالإضافة لعلاج أشخاص أصيبوا بصواريخ هيلفاير المسماة بقنابل النينجا التي تسبب شفراتها بتر أطراف من تصيبهم”، وكانت هذه الشهادة من بين الشهادات المؤثرة في إدانة محكمة العدل الدولية للعدو الصهيوني واعتبار ما يحدث في غزة إبادة جماعية، ولم يكتفي أبو ستة بذلك بل أدلى بشهادته للعديد من الصحف ووكالات الأنباء والمحطات الفضائية الدولية، لذلك كان لابد من تحرك صهيوني وغربي لمنع صوته من الوصول للرأي العام العالمي، ولدوائر صنع القرار في الدول الغربية.

وفي إطار الحملة الممنهجة لمنعه من فضح جرائم العدو الصهيوني في غزة، قامت الشرطة البريطانية بمداهمة منزله، والتحقيق مع أفراد عائلته، والاستفسار عن الجمعية التي يعمل معها، وبأي قسم يعمل في مستشفى الشفاء المنكوب في غزة، ولم تتوقف المضايقة عند هذا الحد بل انتقلت وبشكل فج للسلطات الفرنسية في مطار شارل ديغول التي قامت بتوقيفه، ومصادرة هاتفه الخلوي، وابلغ بمنعه من دخول منطقة الشنغن لمدة عام بقرار من ألمانيا، على أن يرحل دون إنجاز المهمة التي حضر من أجلها وهي الحديث أمام مجلس الشيوخ الفرنسي الذي نظم ندوة تحت عنوان “فلسطين والواقع اليوم” نظمتها عضوة بحزب الخضر ووجهت الدعوة للدكتور غسان أبو ستة للإدلاء بشهادته حول الجرائم الصهيونية في مستشفى الشفاء تحديداً والتي عمل بها قبل مغادرة غزة، وبالطبع يعد القرار الصادر من ألمانيا قراراً سياسياً لتكميم الأفواه التي تنطق بالحق وتفضح جرائم العدو الصهيوني، لكن على الرغم من محاولة حجب الصوت الفلسطيني الحر للدكتور غسان أبو ستة إلا أنه تمكن من الإطلالة على مجلس الشيوخ الفرنسي عبر الشاشة من المطار، وقدم شهادته، ولم يتمكنوا من حجب صوته.

لذلك على كل الأحرار في العالم التحرك لفضح العدو الصهيوني وكشف جرائمه، وإجبار الدول الغربية على وقف دعم هذا العدوان، فلن تنجح مع الشعوب كل محاولات تكميم الأفواه بالقوة، وما يحدث في الجامعات الأمريكية من حراك تدحرج لينتقل لبعض الجامعات في أوروبا خير شاهد وخير دليل، وكما أوقفت الثورات الطلابية الحرب في فيتنام في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، سوف يوقف الحراك الطلابي العالمي، والتحركات الواعية لأمثال الدكتور غسان أبو ستة العدوان على غزة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.

بقلم / د. محمد سيد أحمد

 

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *