وسقطت قلعة الصمود !!
عندما بدأت موجة الربيع العربي المزعوم في نهاية العام ٢٠١٠ وبداية العام ٢٠١١، تأكدنا مبكراً أنها جولة جديدة من جولات مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، الذي يستهدف به العدو الأمريكي منطقتنا العربية، وعندما بدأنا في التحرك كانت قد سقطت أنظمة الحكم في تونس ومصر واليمن بشكل دراماتيكي غريب وسريع، وصمدت ليبيا العربية ثمانية أشهر كاملة قبل اغتيال قائدها الشهيد معمر القذافي الذي مرغ أنف حكام العالم داخل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ومزق ميثاقها ورماه على الأرض أمام كل وسائل الإعلام العالمية، متحدياً الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بأكمله لذلك كان اغتياله والتمثيل بجثته هو العقاب الأمريكي بواسطة أدواتها التكفيرية الإرهابية، وبسقوط ليبيا لم يعد أمامنا إلا قلعة صمود واحدة وهي سورية العربية، لذلك توجهنا إليها لدعمها حفاظاً أولاً على الأمن القومي المصري، وثانياً حفاظاً على الأمن القومي العربي، وصمدت سورية لما يقرب من أربعة عشر عاماً، وانتصرت على مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، وتمكنت من فضح المشروع وكشف أدواته التكفيرية التي اضطرت المنظمات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن بتصنيف هذه الأدوات بالإرهابية، ومن بينها جبهة النصرة ( هيئة تحرير الشام)، بقيادة الإرهابي أبو محمد الجولاني.
وقبل الحديث عن سقوط قلعة الصمود علينا التذكير بمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي يكتسب كل يوم أرض جديدة، فالأفكار الشريرة التي تطرح في العقل الصهيوني أو العقل الغربي المنحاز للصهيونية، ضد العرب والمسلمين، والذى تمثله الآن الولايات المتحدة الأمريكية جد كثيرة، ومن ضمن الأفكار والمشاريع الغربية الصهيونية يتصدر المشهد مشروع ” برنارد لويس ” المفكر اليهودي البريطاني الأصل، والأمريكي المعاش، والحاصل على دكتوراه فخرية من جامعة تل أبيب، حيث تحول إلى أسطورة بسبب نجاحه في التطبيق العملي لفكرة تقسيم الوطن العربي بعد أن حولها إلى إجراءات وخطط، وبرامج عمل جادة، والواقع أن مشروع ” برنارد لويس ” هو الأكثر جدية وعملية في آن، كما أن مرتكزاته الفكرية خطيرة وخبيثة، وتلعب علي الأوتار المذهبية والطائفية والعرقية بناءً على فهم عميق من مفكر لا يشق له غبار في فهم النفسية العربية والإسلامية، من خلال قراءة واعية للتاريخ العربي والإسلامي، حيث قدم كتابه” الهويات المتعددة للشرق الأوسط”، الذي اعتمدت عليه كل مشاريع التقسيم والتفتيت.
فنحن إزاء مشروع رهيب، التقطته القوى الكبرى في الغرب لاسيما أمريكا بكل أجهزتها الأمنية والاستخباراتية والعسكرية، فضلا عن العدو الصهيوني الذي لا يمل ولا يكل في محاولاته لاختراق الدولة الوطنية العربية، وبالتركيز علي مثلث القوة العربي مصر والعراق وسورية، حيث قال عنهم ديفيد بن جوريون مؤسس الكيان الصهيوني عشية إعلان الكيان في عام ١٩٤٨ أنه “لا يمكن أن تعيش وتحيا إسرائيل آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية هي الجيش المصري والعراقي والسوري”.
ومن المفيد توضيح حقيقة هامة هي أن مشروع ” برنارد لويس ” لتقسيم المنطقة يتقاطع مع مشروعات عديدة، ومماثلة، ربما استلهمت النموذج أو السياق العام من ” لويس “، وربما هناك تقارب فكري بين المنظرين الكبار، وما تنتجه مراكز دراسات ذات طبيعة عسكرية استخبارية، لكن المهم هنا هو أن فكرة تقسيم الوطن العربي تحتل مكانة مركزية في البيت الأبيض والبنتاجون، ومراكز صنع القرار الأمريكي، ومنها وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية، وقد تبني الجمهوريون أو المحافظون الجدد أفكار ” برنارد لويس ” وحولوها إلى برامج عمل وإجراءات تستهدف تفكيك الوطن العربي وتغيير أسمه إلى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.
وفي عام 1980 تبني ” زيغينو بريجنسكي ” مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس ” جيمي كارتر ” أفكار ومشروع ” برنارد لويس ” وبدأ في تفعيلها على أرض الواقع، وفي عام 1983 وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع في جلسة سرية على مشروع ” برنارد لويس ” وبذلك تم تقنين هذا المشروع واعتماده وإدراجه في ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية لسنوات مقبلة، والأكثر من ذلك هو تحديد ميزانيات مالية تم توزيعها في مخصصات الوزارات المعنية بهذا المشروع.
إذن ما ينظر إليه الكثيرون داخل مجتمعاتنا علي أنه محض صدفة، هو مخطط له بعناية فائقة، وما يعنينا هنا الآن هو المرسوم لسورية في مخططات مشروع ” برنارد لويس ” حيث تشير الوثائق إلى أن سورية يجب أن تقسم إلى أربعة دويلات على النحو التالي :
1- دويلة علوية شيعية ( على امتداد الشاطئ ).
2- دويلة سنية في حلب.
3- دويلة سنية حول دمشق.
4- دويلة درزية في الجولان ولبنان ( الأراضي الجنوبية السورية وشرق الأردن والأراضي اللبنانية ) .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن ماذا تم انجازه من مشروع ” برنارد لويس ” على الأرض السورية ؟! وبالطبع الإجابة أصبحت واضحة فشبح التقسيم بعد سقوط أخر قلاع الصمود العربية ورحيل الرئيس بشار الأسد، ودخول الإرهابي الدولي أبو محمد الجولاني سابقاً (الثائر المسلح أحمد الشرع حالياً) ليجلس في قصر الشعب بدمشق أصبح أمراً واقعاً، لكن العدو الصهيوني سوف يغير قليلاً في مخطط “لويس” فبعد تحركه لتدمير ترسانة أسلحة الجيش العربي السوري بشكل نهائي، وتسريح قادته وضباطه وجنوده الذين سلموا الأرض السورية ومن عليها للإرهابيين دون طلقة رصاص في مشهد مأساوي رهيب لم يحدث في التاريخ، احتل العدو الصهيوني الجنوب السوري الذي من المفترض أن تقام فيه وفقاً لمخطط ” لويس” دويلة درزية أعتقد أن الصهيوني سيحولها لدويلة فلسطينية بعد إخلاء غزة والضفة الغربية، وبالطبع دويلة الجولاني السنية ستكون وفقاً لمخطط “لويس” حول دمشق وسوف يتقاتل الجولاني وقادة التنظيمات الإرهابية التي تحت إمرته الآن على زعامة هذه الدويلة، وأعتقد أن الدويلة العلوية الشيعية لن تمنح لأحد وسوف تعطى الأوامر للجولاني ومن على شاكلته لاضطهاد هذه الطائفة، أما دويلة حلب السنية في الشمال وفقاً لمخطط “لويس” فمن المؤكد أنها لن تكون دويلة واحدة فالتركي والكردي يتصارعان هناك ولن يحسم صراعهما إلا سيدهم الأمريكي، الذي لم يحدد بعد لمن ستكون هذه الدويلة، ويمكن تحويلها إلى دويلتين في حالة الإطاحة لاحقاً بأردوغان، هذه هي أقرب الصور وفقاً للمعطيات الميدانية الراهنة، ووفقاً لمخطط ” برنارد لويس” الذي يعتمد عليه مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.
لذلك لابد من التحرك الآن لإيقاف هذا المخطط عند هذا الحد، خاصة وأن المخطط يستهدف الجميع في المنطقة دون استثناء، وفي المقدمة مصر الموجودة بقوة في مخطط ” برنارد لويس ” الذي يعتبرها مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الجائزة الكبرى، فبعد سقوط سورية قلعة الصمود، أصبح الأمن القومي المصري بلا ظهر، وأصبح الجيش المصري هو الجيش الوحيد المستهدف من العدو الصهيوني، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
بقلم / د. محمد سيد أحمد
Average Rating