كليوباترا السوداء والعقدة البيضاء !!
لم أفهم سر الضجة الكبرى التى أثارها قيام ممثلة سمراء بدور كليوباترا، فالسيد المسيح سبق وأدى دوره ممثل أسود وهو ما أثار بعض الجدل حول صحته التاريخية ولكن لم يصل الأمر إلى ما أراه الآن فى مصر من ثورة وغضب وسخرية بينما لم يحرك هؤلاء ساكنا وهم يرون ماتتعرض له الآثار المصرية لأكبر حملة تخريب وتهريب فهمى نظمى رسمى.
لا أريد أن أدخل فى الجدل بشأن كليوباترا ولون بشرتها، فهذا ليس مجال تخصصى، لكن هناك تأكيدات من بعض الخبراء أن أمها من ممفيس عاصمة مصر القديمة جنوب القاهرة فدماؤها بهذا المفهوم لم تكن مقدونية خالصة، وبالتالى يظل احتمال سمار البشرة قائما، ويفترض أن يسعدنا ذلك ونؤكد عليه لا أن نتنكر له، لكننا نربط بين الشخصية الحقيقية لملكة مصر القديمة وصورتها السينمائية كما قدمتها فاتنة السينما (البيضاء) إليزابيث تايلور، تماما كما نربط بين صلاح الدين الأيوبى والفنان أحمد مظهر وبين شجر الدر وتحية كاريوكا وغيرها من النماذج.
لكن تلك الضجة المبالغ فيها تعود إلى أسباب أخرى يجب أن نواجهها بصراحة: فهل هى عقدة الوجه الأبيض أو الأشقر الذى نرى فيه الجمال والسلطة؟ وهل ذلك يرتبط بنظرة عنصرية تجاه السود؟
للأسف وجدت ذلك فى مقال د. وسيم السيسى فى “المصرى اليوم” الذى وصفها من صورتها فى الفيلم الأخير ب “وجه أسود، شعر منكوش، أنف مفلطح، شفاه غليظة”، ورغم عدم تطابق ذلك مع مواصفات وجه الممثلة أديل جيمس، إلا أنه يعكس تلك النظرة الدونية الخاطئة التى تربط الجمال بالبشرة البيضاء، لذلك وجدته فى فقرة أخرى بالمقال يتحدث عن “صاحبة الجمال الصارخ” التى بهرت يوليوس قيصر، و “فاتنة الدنيا وحسناء الزمان” التى غنى لها عبد الوهاب، ثم يتساءل: “هل من المعقول أن فاتنة الزمان هذه التى فتنت قيصر روما تكون بهذا الشكل؟!..”
وماهو هذا الشكل؟ وهل يمنع لونها أن تكون كما ذكر فى المقال ذكية وساحرة وتجيد تسع لغات؟ هنا تبدو بوضوح تلك النظرة الخاطئة التى لاتخلو من عنصرية. وللأسف فإن الصحيفة ،التى كانت يوما ما غراء وتفرض الآن الرقابة على كل شاردة أو واردة، لم تجد فى كل ذلك ما يستحق الحذف.
هذا الكلام لايتوقف ضرره عند الترويج لمفاهيم غير أخلاقية بل وغير إنسانية، لكنه يخلق مزيدًا من الحواجز النفسية مع شعوب إفريقيا التى فقدت الكثير من مشاعر الحب والامتنان التى كانت تحملها لمصر، وحلت محلها هواجس متبادلة بما يهدد أمن مصر القومى، ورأينا ذلك واضحا فى قضية سد النهضة بل وفى مباريات الكرة كما حدث مؤخراً فى مباراة الهلال فى السودان بما يعكس التحول فى مشاعر الناس بسبب مايرونه من نظرة فوقية لهم لاتخلو من عنصرية.
أما الدخول فى فى نظريات المؤامرة وأنها أكاذيب “أفريكا سنتريك” لسود أمريكا الشمالية واستخدامهم من قبل الصهيونية العالمية وأن من حقهم احتلال مصر، فهى فضلًا عما فيها من مبالغات فإنها حتى لو كانت صحيحة فإن التعامل معها بهذا الأسلوب يزيد من اشتعالها ويخدم أهدافها. لابد من نظرة أكثر إنسانية وانفتاحًا على إفريقيا وأن يكون واضحًا فى لغة خطابنا العام والإعلامي أن مصر لاتقر فقط بانتمائها الإفريقي لكنها تعتز أيضًا بذلك الانتماء وتشارك شعوب القارة نضالهم المستمر للتحرر والتنمية والديمقراطية.
بقلم/ محمد السطوحي
كاتب صحفي
Average Rating