عادل القليعي يكتب: سفيان الثوري “إمام الزهاد”

Read Time:5 Minute, 9 Second

رب سائل يسألني لماذا تكتب عن هذا الموضوع.

أقول وبأريحية تامة ، ما أحوجني أنا شخصيا إلى الحديث عن سير الأعلام ، وما أحوجنا جميعا إلى التذكرة بهؤلاء الأقطاب الذين ملأوا الدنيا علما وفقها وخلفوا لنا العديد من المؤلفات لو طالعناه مطالعة جيدة لتغير حالنا.

نعم سفيان الثوري ، والتستري ، والمحاسبي ، والخراز ، والداراني ، وذي النون المصري ، والحسن البصري ، ورابعة ، والغزالي ، هؤلاء سيرهم نبراسا لنا نقتدي بهم ، ضربوا أروع الأمثلة في الزهد والتحرر من علائق المادة ، حرروا أرواحهم وأنفسهم من علائق الحس وشواغله ، فصفت قلوبهم وسمت أرواحهم فحلقوا بأجنحة من نور إلى فراديس الجنان.

نعم تكالبنا على الدنيا فاخترمتنا أنستنا الآخرة ، حزنا على مناصب فاتتنا، ونسينا أن ما عند الله خير وأبقى ، شغلنا أنفسنا بالأموال والأولاد والجاه والسلطان ونسينا أو تناسينا أن كل ذلك إلى زوال.

لذا كان لزاما علي أولا أن أحاسب نفسي وأكبح جماحها وألتجأ إلى الله قلبا وقالبا طالبا منه العون والمدد .

وثانيا أن أذهب بكم مطوفا حول سيرة هؤلاء لأخذ العبر والدروس والعظات منهم لعلنا نفيق من غفلتنا ومن سباتنا ونرضى بما قسم الله لنا.، ونزهد في هذه الدنيا ونوظفها لخدمة الحياة الآخرة التي هي الباقية والدائمة التي بها وفيها النعيم المقيم.

ولد سفيان الثوري فى الكوفة سنة ٩٧هجرية، فى خلافة سليمان بن عبد الملك.

أما عن نسبه

فاسمه سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري ،كانت وفاته فى شعبان عام ١٦١ هجري فى البصرة ، لم يعقب سفيان الثوري ولدا ، حيث كان له ولد مات قبله.

كان محبا للعلم وخصوصا العلم الشرعي ، حفظ القرآن الكريم وهو صغيرا، وبرع فى علم الحديث ، وكان له مؤلفات منها ، الجامع الكبير ، الجامع الصغير، الفرائض .

كان الثوري عالما بالقرآن الكريم وتفسيره، روي عنه أنه قال: سلوني عن المناسك والقرآن فإني بهما أعلم .

اعترف الكثيريون بفضله ومكانته الدينية ، وقد وصفه الإمام الذهبي بأنه شيخ الإسلام إمام الحفاظ، سيد العلماء العاملين فى زمانه.

أما بالنسبة لمذهبه الفقهي ، فكان له مذهب فى الفقه خاص به تبعه جمع من المسلمين فتر ة طويلة من الزمن .

اعتمد الثوري فى مذهبه الفقهي

على ما صح عنده من الأحاديث ، كما اعتمد فى مذهبه على مناهج أخرى مساعدة فى بعض المسائل، مثل الأخذ بإجماع العلماء، أيضا قد اعتمد على الاجتهاد الذي يقوم على القياس العقلي وهذا ما حث عليه الإسلام وحث عليه النبي صلى الله عليه وسلم، كرأيه في جواز المسح على الخف وإن كان مقطوعا قطعا كبيرا .

وله آراء كلامية ، كعقيدته فى الإيمان، قال الإيمان قول وعمل، فالإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ، (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات).

وعقيدته فى عدم جواز القطع بالإقرار لأحد بأنه من أهل الجنة أو النار إلا العشرة المبشرين بالجنة.

وعقيدته فى مسألة الصفات التى آثر على نفسه ألا يخوض فيها ، ونصح بتمريرها كما هي.

مخالفا جميع الفرق الكلامية في هذا الموضوع ، أي إثبات ما أثبته الله نفسه ونفي ما نفاه الله تعالى عن نفسه وهذا مذهب أهل السنة والجماعة.

وقد كان حاسما فى آرائه حول الفرق التى عاصرته فله رأى حول القدرية قال أنهم كفار ، والجهمية كفار ايضا.

وقال عن المرجئة ، خالفتنا المرجئة فى ثلاث، نحن نقول الإيمان قول وعمل وهم يقولون الإيمان قول بلا عمل

ونحن نقول يزيد وينقص،(ليزدادوا إيمانا) وهم يقولون لا يزيد ولا ينقص

ونحن نقول مؤمنون بالاقرار ، فالإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالاركان ، وهم يقولون نحن مؤمنون عند الله .

كما كانت عقيدته فى خلق القرآن واضحة ،فمن قال (قل هو الله أحد )،مخلوق، يقصد القرآن الكريم فهو كافر.

سفيان الثوري والخليفة أبو جعفر المنصور.

وقد كان فى زمانه إماما من أهل الحديث وقد طلب منه الخليفه العباسي أبو جعفر المنصور أن يتولى القضاء ولكنه رفض فغضب عليه الخليفه وفر من قبضته وظل يتنقل هاربا إلى أن وصل إلى مكة المكرمة وظل يعلم الناس سرا إلى أن علم الخليفة بتواجده بمكة فأمر والي مكة بحسبه لكنه توجه إلى الله ألا يدخل المنصور مكة فمرض ومات قبل أن يدخلها.

ثم طلب منه ابن المنصور الخليفة المهدي أن يتولى القضاء فرفض وظل هاربا، إلى أن وافته المنية كما ذكرنا سابقا.

ولعل سبب رفضه تولي القضاء شأنه شأن سائر الزهاد خشية من الله تعالى ألا يعدل بين الناس في الأحكام فتنحى جانبا عن هذه المهمة الشاقة.

لقد كان رحمه الله تعالى إماما في الزهد والتقوي والورع ، وله أقوال في الزهد وفضائل الأعمال وله أقوال فى العلم وأهله وأنواع العلوم المطلوبة التي ينبغي على المرء تعلمها.

ومن أقواله فى الزهد .الزهد زهدان زهد فريضة وزهد نافلة

أما الفريضة أن تترك الدنيا بما فيها على ما فيها ، وأن تزهد فيما فى أيدي الآخرين ، وأن تترك الكبر والفخر والرياء والسمعة والتزين للناس .

أما النافلة أن تدع ما أعطاك الله من الحلال بمعنى أن تتصدق وتجود بما أعطاك الله حسبة لله ، فإذا تركت شيئ من ذلك صار فريضة عليك أن لا تتركه إلا لله .

أي أن تجعل كل شيئ لله تعالى.

ومن أقواله فى الزهد أيضا ليس الزهد بأكل الغليظ والجاف من الطعام ، ولبس الخشن من الثياب ولكنه قصر الأمل وعدم التعلق بالدنيا وارتقاب الموت .

ومن أقواله أيضا الرضا بما قسم الله لك تكن غنيا وتوكل على الله تكن قويا ، فمن توكل على الله كفاه ، ومن توكل على الله فهو حسبه.

ومن أقواله فى المعروف أكثروا من المعروف تأنسوا فى قبوركم واجتنبوا المحارم ألا إن لكل ملك حمى، ألا إن حمى الله محارمه_ تجدوا الحلاوة فى الإيمان .

وله رقيقة فى النفس ترقق النفوس وتصفو بها.

يقول فى معاتبة النفس

يا نفس توبي فإن الموت قد حانا .

واعص الهوا فالهوا ما زال فتانا .

فى كل يوم لنا ميت نشيعه .

ننسى بمصرعه آثار موتانا.

أيضا له أقوال فى الصبر.

ومن أقواله فى الصبر

ثلاثة من الصبر لا تحدث بمصيبتك ، ولا بوجعك ولا تزك نفسك .

يقول عن اليقين.

فلو أن اليقين استقر فى القلب لطار فرحا وشوقا إلى الجنة، وخوفا من النار .

قال بشر بن الحارث قيل لثفيان الثورى أيكون الرجل زاهدا ويكون له مال قال نعم، إذا ابتلينا صبرنا وإذا اعطينا شكرنا.

ومن أقواله أيضا أصلح سريرتك يصلح الله علانيتك وأصلح فيما بينك وبين الله يصلح الله فيما بينك وبين الناس ، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك ، وبع دنياك بأخرتك تربحهما جميعا ولا تبع أخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا وخلاصه قوله الزهد هو سقوط المنزلة ، بمعنى أن تترفع عن كل شيئ وتسقط منزلتك من الدنيا وأن تبتغك في ما آتاك الله الدار الآخرة ، وأن تكن فى الدنيا مغربي أو عابر سبيل وأن تزهد في ما عند الأغيار بغية الفوز برب الأغيار.

فما عند الله خير وأبقى.

(وللدار الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون)

السيدات والسادة ، هذا هو سفيان الثوري وهذه سيرته ، وهذا زهده وتقواه وورعه وخلقه وعلمه وفقهه ، فهل أخذنا أمثاله قدوة لنا.

بقلم / د. عادل القليعي 

أستاذ الفلسفة بجامعه حلوان

Happy
Happy
0 %
Sad
Sad
0 %
Excited
Excited
0 %
Sleepy
Sleepy
0 %
Angry
Angry
0 %
Surprise
Surprise
0 %

Average Rating

5 Star
0%
4 Star
0%
3 Star
0%
2 Star
0%
1 Star
0%

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *