هل نرى ربنا يوم القيامة؟!

مايو 15, 2023

Read Time:3 Minute, 38 Second

أردت أن أتحدث عن هذا الموضوع الذي طالما أرجأت الحديث عنه لأنه من الموضوعات الحساسة والشائكة ليس هذا وحسب بل والحيوية في الفكر الإسلامي والتي طالما كثر حولها القيل والقال والتي أدلى فيها كل بدلوه سواء الفرق الكلامية المعتزلة والخوارج قبلها والأشاعرة وفرقة الماتريدية وكذلك أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وخلفهم بل وكثير من فلاسفة الإسلام .

أردت أن أتحدث إليكم عن هذا الموضوع لعل الله يتعطف علينا ويجود وهو الجواد الكريم فينظر إلينا نظرة حب وعطف وحنان فلا نشقى بعدها أبدا ،نظرة تحيا بها قلوبنا وتتفتح خلالها عقولنا ونري بقلوبنا وبصائرنا الحق ونتبعه ونري الباطل فنجتنبه .

ما أعظم وأروع وأجمل أن ينظر إليك الله ،اللهم متعنا بنعمة وسعادة النظر إلى وجهك الكريم. ولكن لابد أن نهيئ أنفسنا أولا لهذا الأمر الجلل وهذه السعادة العارمة ،نعد أنفسنا لللقاء ليس بعده لقاء لقاء يأتي بعده بقاء مع إنية الحق ،نتطهر ،نصفو ،نتحرر من كل متعلقات المادة وشواغل الحس ،تتصافح قلوبنا وتتعانق أرواحنا من أجل المعانقة الحقيقية معانقة الإستغراق في مشاهدة الحق ساعتها تهدأ السرائر ويسعد الفؤاد باللقاء فهنيئا باللقاء. أحبابي أيدكم الله بروح منه ورزقكم الهناء السرمدي ،الرؤية (رؤية الله يوم القيامة) لا تتحقق إلا بشرطين عقلا.

الرائي والمرئي ،فأنا أراك وأنت تراني إذا التقينا فاستحالة الوقوع إلا بهما. فضلا عن الرؤية القلبية، فقلوب العارفين لها عيون ، ترى ما لا يراه الناظرونا.

وليس مجالنا الحديث عنها الآن. أقصد الرؤية القليية.

هل نري ربنا يوم القيامة. ؟!يقول تعالي (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) ،أيضا (للذين أحسنوا الحسني وزيادة) وعز من قال (قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ،فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) .

وأيضا قوله تعالي (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون).

ثم أنظر إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ،عندما سئله الصحابة رضى الله عنهم ،هل نري ربنا يوم القيامة يا رسول الله ،أجابهم النبي هل تتزاحمون وأنتم ترون الشمس في وضح النهار ،هل تضآمون وأنتم ترون البدر بدرا ليلة اكتماله قالوا لا يا رسول الله ،قال فإنكم ترونه. وكذلك الحديث القدسي (أعددت لعبادي الصالحون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).

فما الذي لا يخطر علي قلب البشر -رؤية الله -مع ترك الكيفية له تعالي.فالرؤية واقعة وثابتة نصا قرآنا وسنة.

أما الذين شككوا في وقوعها وأنها لن تتحقق فحجتهم نفي الجسمية عنه وإثباتا للتنزيه الإلهي فنجد المعتزلة تذهب إلى التأويل في قوله تعالى إلى ربها ناظرة أي منتظرة لأمر الله تعالى إن يدخلهم الجنة أو النار.

ونحن نختلف معهم في ذلك لأن من فضل الله وجوده على عباده الذين سهروا وتعبوا وباتوا سجدا لله وقياما أن يتعطف عليهم ربهم بكرمه وهو الذي يقول للملائكة أنظروا إلى حال عباد ماذا يطلبون يقولون لا يريدون شيئا آخر فيقول الله للملائكة اكشفوا عني الحجاب ليراني عبادي بالكيفية التي يقرها الله .

وهذا مصداقا لقوله تعالي. (لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد) .

كل شيئ في الجنة ثم المزيد رؤية الله تعالي. فالحسني الجنة والزيادة الرؤية.

وهذا باتفاق مذهب أهل السنة والجماعة والسلف الصالح وكذلك الخلف واتفاق الاشاعرة التي نفت الرؤية الحسية في الدنيا ونحن نتفق لأن ذلك يخل بالناموس الإلهي ويخل بالتنزيه لأن الرؤية لا تقع حسا إلا للمحدثات الفانيات المخلوقات.

فأنا أراك وأنت تراني لأننا خلق من خلقه تعالى ،ونختلف معهم من وجه آخر إذ يرون أن الرؤية في الآخرة رؤية معنوية إذ نرى ما الذي في ذلك ، أن نستمتع بجمال المشاهدة حتي تقول سبحان ربي العلي الأعلى الوهاب القادر القدير المقتدر .

والشاهد على ذلك حديث آدم رأيت ربي في أحسن صورة أي أبدلني ربي صورة خلاف صورتي وشكل خلاف شكلي حتي أليق بالمشاهدة ،وما ذلك علي الله بعزيز.

فاللهم متعنا بسعادة قصوي سعادة النظر إلى وجهك الكريم .

ثم لو كانت الرؤية ممتنعة ما كان طلبها موسى عليه السلام ،ولما أجابه الله تعالي بقوله لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل وما كان الله لينظر إلي الجبل ثم لعلم الله تعالي أن موسي لن يتحمل هذه الرؤية في الدنيا فمجرد أن رأى الجبل دك خر صعقا، ولولا كنف المحبة الربانية لموسي ما كان سلم من هذه الصاعقة – هذا في الدنيا ،أما في الآخرة فالحال خلاف الحال والمكان هناك خلاف المكان هنا ،والمقام مختلف فهناك حيث لا هناك هناك مقام تنعيم وتكريم ،وذلك فضل وتفضل منه تعالي ،فهل أعددنا لهذا المقام هل أعددنا لأن يبدل الله أمثالنا ،هل أعددنا لمقعد صدق عند مليك مقتدر هل تاجرنا مع الله حق التجارة تجارة لن تبور هل أعددنا أنفسنا للروح والريحان وجنة نعيم .

اعقلوها أيها العاقلون ،لمثل هذا فليعمل العاملون ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

بقلم/ د. عادل القليعي

استاذ الفلسفة باداب حلوان